الإسلام والبيئة (33): حين يُشوَّه الخلق: كيف جعل الإسلام الحفاظ على هيئة الحيوان طاعة لله؟

 

سلسلة الإسلام والبيئة

كانت السماء رمادية كئيبة، تخنقها سحب الدخان المتصاعدة من مصانع ضخمة لا تهدأ. الأرض صلبة متشققة، كأنها جسد مريض يعاني من جروح قديمة لم تلتئم. وسط هذا الخراب، تحركت ببطء بين أقفاص حديدية ممتلئة بحيوانات مشوهة: طيور مقصوصة الأجنحة، ماشية محروقة الجلد بعلامات غريبة، وكلاب فقدت آذانها أو ذيولها. كان بعضها يئن، وبعضها صامتًا كأنه استسلم لمصيره.

سألت نفسي بصوت يملؤه الاشمئزاز:

"كيف سمح البشر لأنفسهم أن يفعلوا هذا؟ كيف تحول الحيوان، ذلك المخلوق المسخّر، إلى ضحية لقسوة الإنسان؟"


سمعت صوت الحكيم يهمس بجانبي:

"هذا ما يحدث حين ينسى الإنسان أن الله خلق كل شيء في أحسن تقويم، وأن العبث بخلقة الحيوان هو تشويه لمظهر الطاعة لله."

توقفت للحظة، ثم سألته:

"ولكن البشر يتدخلون في شكل الحيوانات لأغراض كثيرة: التجميل، العلامات التجارية، وحتى العبادات كما كان يفعل أهل الجاهلية! فما الخطأ في ذلك؟"


أجاب الحكيم بصوت يحمل حزناً دفيناً:

"ألا تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مثل بذي روح، ثم لم يتب، مثَّله الله به يوم القيامة"؟ (مسند أحمد). أي أن الله سيعاقب من يشوه الحيوانات بنفس الطريقة يوم القيامة. إن الله خلق كل مخلوق وفق حكمته، فلماذا يأتي الإنسان ليغير خلق الله بلا ضرورة؟"

رفع أحد الأطفال صوته متلوًا من القرآن:

"مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ"المائدة: 103

أضاف طفل آخر:

"هذه أصناف من الإبل كانت تقطع آذانها وتشوه أجسادها تقربًا للآلهة، فجاء الإسلام ليحرّم ذلك."


قلت للحكيم:

"لكن أليس في زماننا قوانين تمنع العنف ضد الحيوانات؟"

ضحك الحكيم بسخرية خفيفة:

"قوانينكم تحمي الحيوانات إذا كان تشويهها بلا فائدة اقتصادية، لكنها تسمح بقطع أذان الكلاب، وكيّ الأبقار بالنار، وتشويه الخيول لإرضاء معايير الجمال الحديثة. الإسلام لم يحرّم فقط تعذيب الحيوان، بل حرّم حتى اتخاذه هدفًا للتسلية، أتدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا"؟"


هززت رأسي، متذكرًا مشاهد مصارعة الثيران وسباقات الكلاب حيث تُستغل الحيوانات بلا رحمة، وسألت:

"ولكن ماذا لو كان التشويه له غرض علاجي أو للتمييز بين الحيوانات؟"

أجاب الحكيم:

"إن اضطر الإنسان لذلك، فعليه أن يتجنب مواضع الألم، وألا يحرق الجلد أو يقطع اللحم. بل حتى وسم الحيوان يجب أن يكون بأخف الطرق وأبعدها عن الإيذاء. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى حمارًا قد وُسم وجهه قال: "لعن الله الذي وسمه"؟ (مسلم)."


نظرتُ إلى الأقفاص حولي، وإلى الكائنات التي شوهها الإنسان بيديه، وشعرت برهبة غريبة. سألت بصوت خافت:

"إذن، عندما نشوه الحيوان، فإننا نعترض على خلق الله نفسه؟"

أجاب الحكيم بحزم:

"نعم، ومن يعبث بخلقة الله، فإنما يعترض على حكمته. لهذا، فإن الحفاظ على هيئة الحيوان ليست مجرد مسألة رحمة، بل هي مظهر من مظاهر الطاعة لله."


أحنيت رأسي احترامًا لهذه الحقيقة، ونظرتُ إلى الحيوانات المسكينة من حولي، متسائلًا:

"هل سيأتي يوم تعود فيه الحيوانات إلى صورتها الطبيعية، دون تشويه ولا قسوة؟"

ابتسم الحكيم، وقال:

"حين يعود الإنسان إلى فطرته، وحين يدرك أن كل مخلوق هو آية من آيات الله، عندها فقط سيُرفع هذا الظلم عن الأرض."

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام