الإسلام والبيئة (34): حين يُعذَّب بلا صوت: كيف جعل الإسلام رحمة الحيوان مقياسًا لإنسانية البشر؟

 

سلسلة الإسلام والبيئة

تقدّمت ببطء وسط ساحة واسعة تملؤها أصوات صاخبة، لكنّي لم أكن أرى احتفالات ولا أفراحًا، بل مأساة مرعبة تجري أمام عيني. على اليمين، كانت كلاب تُساق إلى قفص ضيق قبل أن تدخل حلبة صراع حتى الموت، تصرخ وتعض بعضها البعض بينما يهلل الجمهور بحماس. على اليسار، مجموعة من الديكة المنتوفة الريش تُطرح أرضًا، تُجبر على القتال حتى تُنهك أو تموت، والمراهنون يتجادلون حول من سيكون الفائز. في الطرف الآخر، ثور ضخم في وسط ساحة مغلقة، يركض في دوائر مذعورة، بينما رجال يحملون سكاكين طويلة يغرسونها في جسده شيئًا فشيئًا، في لعبة دموية يصفق لها الحاضرون وكأنها عرض مسرحي.

لم أستطع تحمل المشهد، فالتفتُّ إلى الحكيم، متسائلًا:

"كيف وصلنا إلى هذا الحد؟ أليس في قلوب هؤلاء البشر شيء من الرحمة؟!"


نظر إليّ الحكيم بأسى، وقال:

"لقد اعتادوا القسوة حتى أصبحت ترفيهًا، وأقنعوا أنفسهم أن الألم مجرد جزء من اللعبة. لكن الإسلام علّمنا أنّ كل ألم يصيب الحيوان محاسب عليه الإنسان، حتى لو لم ينطق الحيوان بشكواه."

قلت له:

"لكن بعض الناس يظنون أن الحيوان لا يشعر بالألم مثل البشر!"


هزّ الحكيم رأسه مستنكرًا:

"إنهم يكذبون على أنفسهم ليبرروا وحشيتهم! الحيوان يشعر بالجوع، بالعطش، بالتعب، وبالخوف. ألا ترى كيف نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إجهاد الدواب بلا رحمة، فقال: "لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي لأحاديثكم"؟ أي لا تركبوها بلا حاجة، فقط للتسلية والراحة، بينما هي تعاني تحتكم."

رفع أحد الأطفال صوته متلوًا من القرآن:

"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ" الأنعام: 38


قلتُ متأملًا:

"إذن، لكل حيوان نظامه وحياته، ولا يجوز للإنسان أن يعبث به لمجرد المتعة؟"

ابتسم الحكيم وقال:

"تمامًا. ألا تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى حتى عن سب الديك، فقال: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة"؟"


ضحكتُ قليلًا وقلت:

"لكن الديك لن يفهم الشتائم!"

أجاب الحكيم بنبرة عميقة:

"صحيح، لكنه ليس المقصود بالنهي، بل الإنسان نفسه! من يعتاد على الإساءة اللفظية للحيوان، سيعتاد على الإساءة الفعلية، ومن قسا على الحيوان، سهل عليه أن يقسو على البشر."


هنا رفع طفل آخر صوته قائلًا:

"في بعض البلاد، هناك احتفالات يقتلون فيها الثيران ببطء، أو يجبرون الكلاب على القتال، أو يرمون الطيور بالحجارة للمتعة!"

نظر الحكيم إليّ وقال:

"أرأيت الفرق؟ في المجتمعات التي لم تتعلم الرحمة، أصبح تعذيب الحيوان لعبة ومهرجانًا، أما في الإسلام، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من الإحسان إلى الحيوان طريقًا إلى الجنة، أتذكر حديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض؟"


أومأت برأسي موافقًا، ثم قلت:

"إذن، كلما كان الإنسان أكثر رأفة بالحيوان، كان أقرب إلى الله؟"

أجاب الحكيم بثقة:

"نعم. فديننا علّمنا أن الرحمة تشمل كل شيء، الإنسان والحيوان وحتى النبات. ومن فقد الرحمة، فقد فقد إنسانيته."


نظرتُ حولي إلى الساحة الدامية، وبدأتُ أتساءل:

"هل سيأتي يوم يعود فيه الإنسان إلى فطرته، فيكف عن تعذيب المخلوقات التي سُخِّرت له؟"

ابتسم الحكيم بحكمة وقال:

"حين يدرك أن الرحمة بالحيوان ليست خيارًا، بل هي مقياس لإنسانيته وإيمانه."

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام