الإسلام والبيئة (36): الصيد بين العبث والعبادة: كيف ضبط الإسلام العلاقة بين الإنسان والطبيعة؟
كانت الصحراء تمتد أمامي بلا نهاية، لكن الغريب أنها لم تكن صحراء رملية، بل كانت صحراء من العظام. هياكل لحيوانات منقرضة متناثرة في كل مكان، وأرض صخرية تملؤها آثار أقدام صيادين رحلوا منذ زمن، لكن وحشيتهم بقيت شاهدة عليهم. لا ماء، لا ظل، لا أصوات طيور، فقط ريحٌ جافة تمر بين العظام كما لو كانت تروي قصة هذا الخراب.
سرت بخطى مترددة بين هذه البقايا، حتى رأيت لوحة صدئة معلقة على عمود محطم، كان مكتوبًا عليها: "آخر نمر شوهد هنا عام 2074 - آخر غزال عام 2091 - آخر طائر مهاجر عام 2103". أدركت أني أسير في أرضٍ خالية من الحياة، أرضٍ نسي أهلها أن الله لم يخلق شيئًا عبثًا.
التفتُّ إلى الحكيم وسألته:
"كيف انتهى الأمر بالبشر إلى هذا الخراب؟ كيف اختفت كل هذه الكائنات؟"
أجاب بصوت هادئ لكنه محمّل بالحزن:
"لأنهم لم يفهموا معنى الصيد في الإسلام، الصيد عندهم كان هواية، متعة، رياضة... لا حاجة، لا حكمة، فقط قتل من أجل التسلية. فكان جزاؤهم أن فقدوا حتى تلك المتعة."
قلت معترضًا:
"لكن الصيد كان دائمًا جزءًا من حياة الإنسان، أليس كذلك؟"
هز الحكيم رأسه وقال:
"نعم، لكن الإسلام لم يترك الأمر فوضى، لقد ضبط الصيد بضوابط دقيقة حتى لا يتحول إلى عدوان. أتعلم أن النبي ﷺ قال: "من قتل عصفورًا عبثًا، سأله الله عنه يوم القيامة"؟ فكيف بمن قتل آلاف الكائنات من أجل الترفيه!"
سألته وقد بدأت أرى عمق المشكلة:
"ما هذه الضوابط التي وضعها الإسلام للصيد؟"
ابتسم الحكيم وقال:
"أولها أن يكون الصيد لحاجة حقيقية، لا لمجرد اللهو. ثم أن لا يُصاد الحيوان ليُعذب أو يُلقى في قفص بلا هدف. بل حتى في حال جواز الصيد، لا يجوز أن يكون جائرًا يؤدي إلى انقراض فصيل كامل!"
قاطعه أحد الأطفال متحمسًا:
"لهذا قال العلماء إن الصيد في موسم توالد الحيوانات محرم، لأنه يمنع استمرار النوع!"
أومأ الحكيم برأسه وأضاف:
"بل حتى الدولة الإسلامية يحق لها منع الصيد إذا رأت فيه ضررًا على البيئة، وهذا من القواعد الفقهية: تصرف الإمام منوط بالمصلحة."
قلت متأملًا:
"لكن بعض الدول اليوم تضع قوانين لحماية بعض الحيوانات، ومع ذلك، لا تزال هناك مجازر بيئية بحقها!"
ضحك الحكيم بحزن وقال:
"لأن قوانينهم لم تخرج من إيمان، بل من مصالح اقتصادية وسياحية. اليوم يمنعون صيد نوع معين، وغدًا يلغون الحظر إذا زادت أرباح تجارة الفراء! أما في الإسلام، فالأمر لا يخضع لمزاج الحكام، بل لحكم الله، وهذا هو الفارق بين الشريعة الإلهية والقوانين البشرية."
سألته:
"وماذا عن الصيد في الليل؟"
قال الحكيم:
"خلاف الأولى، لأن بعض الحيوانات لا ترى ليلًا، فتعجز عن الهرب، فيكون الصيد حينها أقرب إلى الفخّ منه إلى الصيد المشروع."
أحسستُ بقشعريرة تمر في جسدي، ثم قلت:
"إذن، لم يكن الصيد مجرد فعل مباح في الإسلام، بل كان مسؤولية!"
ابتسم الحكيم وقال:
"وهذا هو الفرق بين من يرى الطبيعة ملكًا له، وبين من يراها أمانةً بين يديه."
Comments
Post a Comment