الإسلام والبيئة (39): حين تكون الأشجار رفيقة الإنسان: كيف يخبرنا القرآن بأهميتها؟
كانت الأرض من حولنا خاويةً إلا من أطلال الطبيعة، جذوعٌ يابسة، وأوراقٌ متحللة، وصمتٌ ثقيلٌ يخيّم على المكان. كنا نسير في طريقٍ امتدت عليه آثار النيران التي التهمت كل شيء، حتى ظننت أن الحياة لن تعود أبدًا إلى هذه الأرض.
نظرت إلى الحكيم وسألته بقلق:
"لماذا هذا الدمار؟ لماذا يبدو أنّ الأرض فقدت روحها؟"
أجاب الحكيم بصوت هادئ لكنه مفعم بالحزن:
"لأنّ الإنسان لم يفهم أنه ليس وحده في هذا العالم، لم يدرك أن الأشجار ليست مجرد ديكور أو مصدر خشب وطعام، بل هي شريكة حياته، رفيقته في رحلته على هذه الأرض. لقد ظن أنه يمكنه العيش دونها، فبدأ باجتثاثها، والآن ها هو يرى نتيجة أفعاله."
أحد الأطفال رفع رأسه متسائلًا:
"لكن كيف تكون الأشجار رفاقًا لنا؟"
ابتسم الحكيم ونظر إليه بحنان، ثم قال:
"يا بني، لو تأملت القرآن، لرأيت كيف يخاطب الإنسان بأسلوب يقنع عقله، ويلمس روحه، ويوقظ فطرته. لقد جعل الله الأشجار علامةً على وجوده، ودليلًا على قدرته، وحين يحترق الشجر، ويتحول إلى نار، فإن هذه النار ليست إلا طاقةً خزّنها الله في الأشجار منذ أزمان بعيدة."
ثم تلا الحكيم بصوت خاشع:
﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ﴾ الواقعة: 71-72
تبعه أحد الأطفال مُرتّلا بصوت عذب:
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾ يس: 80
تسائل أحد الأطفال متعجبًا:
"إذًا، عندما نحرق الخشب أو الفحم، فإننا في الحقيقة نطلق الطاقة التي خزنتها الأشجار من الشمس على مدى السنين!"
ضحك الحكيم وأومأ برأسه قائلًا:
"تمامًا! وهذه الطاقة التي سخّرها الله في النبات، لم تكن مجرد نعمة مادية، بل كانت وسيلةً لإيقاظ العقول، فالنار التي نوقدها تُذكّرنا بعظمة الله، وبحكمة خلقه. ألم تر كيف جعلها الله متاعًا للمسافرين في الصحراء، ووسيلةً للتدفئة، وأداةً لإنضاج الطعام، بل حتى لصهر المعادن وتشكيلها؟"
أحد الأطفال رفع يده وقال بحماسة:
"هذا يشبه ما نفعله اليوم بالطاقة الشمسية! فنحن نخزن ضوء الشمس في ألواح زجاجية ثم نحوّله إلى كهرباء."
أومأ الحكيم برأسه وقال:
"بالضبط! وما فعله الإنسان بالتكنولوجيا الحديثة ليس إلا محاكاةً لما أودعه الله في الطبيعة منذ الأزل. إن الأشجار والنباتات كانت تخزن حرارة الشمس منذ القدم، وتحولها إلى طاقة نستخدمها حين نحتاج إليها، وهذا أحد أوجه الإعجاز في الخلق."
تأملت الأمر وقلت:
"ولكن، هل هذه هي الفائدة الوحيدة للنباتات؟"
ضحك الحكيم وقال:
"لو كانت كذلك، لكفت، لكنها مجرد واحدة من آلاف الفوائد. لقد جعلها الله صديقةً لنا في كل شيء، فهي تعطينا الأكسجين لنعيش، وتمنحنا الظل لنرتاح، وتوفر لنا الغذاء والدواء، بل وحتى تسهم في سكينتنا النفسية، فهل رأيت يومًا إنسانًا مكتئبًا يسكن في بستانٍ مليء بالأشجار؟"
سكت الحكيم لبرهة ثم نظر إلينا وقال:
"هذا تذكيرٌ لنا جميعًا بأن الشجرة ليست مجرد نبات، بل هي رفيقة الإنسان، ماضيه وحاضره ومستقبله. وحين يدرك الإنسان هذه الحقيقة، فإنه لن يقطع شجرةً إلا إذا احتاج إليها، ولن يدمر غابةً إلا إذا زرع بدلًا منها، وسيفهم أن الأرض كلها أمانةٌ بين يديه."
صمتَ قليلًا ثم قال وهو ينظر إلى السماء:
"إذا عاد الإنسان إلى صلته بالطبيعة، وعاد إلى فهم مكانته في هذا الكون، فإن الأشجار ستنبت من جديد، وستعود الأرض خضراء كما كانت... بل وأجمل."
Comments
Post a Comment