الإسلام والبيئة (4): خرافة الندرة.. هل حقًا لا تكفي الأرض الجميع؟
تقدمتُ نحو الرجل المسنّ بخطواتٍ مترددة، تتلاعب برأسي أفكارٌ متشابكة، وأخيرًا نطقت:
"هل تعتقد أن الفقر والمجاعات التي ضربت الأرض في زماننا كانت بسبب سوء التوزيع فقط؟ أليس الواقع يشير إلى أن موارد الكوكب محدودة، وأن عدد السكان في ازدياد مستمر؟ ألم يكن الحل الأمثل يكمن في ضبط النسل والتقليل من عدد الأفواه الجائعة؟ ألا يتفق المنطق مع هذه الفكرة؟"
نظر إليّ الرجل العجوز بعينين متقدتين، كأنما كان ينتظر هذا السؤال تحديدًا، ثم قال بصوت هادئ لكنه نافذ:
"هذه ليست أفكارًا جديدة، بل هي امتداد لفلسفات مادية قديمة، ولّدها الإلحاد وأطرتها الرؤية الداروينية للعالم. حين ألغى البشر الإيمان بالله، ألغوا في الوقت نفسه الإيمان بأن الكون متوازن ومدبر بحكمة إلهية. عندها، سيطرت فكرة أن الموارد شحيحة، وأن الطبيعة عشوائية غير مبالية بحياة البشر، ولذلك كان لا بد من التدخل لمواجهتها وقهرها بأي وسيلة."
ثم تنهد متابعًا:
"حين آمن الإنسان بأنه مجرد صدفة كيميائية، صار ينظر إلى البشر كما ينظر إلى المواد الخام: الحديد يُصهر، والخشب يُحرق، وكذلك البشر يمكن تقليلهم حفاظًا على الموارد! هكذا بدأ منطق التصفية والتخفيض والتخلص، ليس عبر الحروب فقط، بل بوسائل تبدو أكثر تحضرًا: نشر وسائل منع الحمل، تعقيم النساء قسرًا، وضع قوانين صارمة لتحديد النسل، وفرض برامج قاسية لإنقاص عدد السكان."
قاطعته وقد بدأ الشك يتسلل إلى رأيي:
"ولكن... أليس من المنطقي أن نقلل عدد السكان إذا كانت الموارد محدودة بالفعل؟"
ابتسم العجوز ابتسامة من يعرف الإجابة قبل طرح السؤال، وقال:
"هنا تكمن الخديعة الكبرى! هل سألت نفسك يومًا: هل الموارد حقًا نادرة؟ أم أن المشكلة في طريقة توزيعها واحتكارها؟ لماذا كانت الدول الكبرى التي تنادي بتحديد النسل هي نفسها التي تسيطر على أغلب الموارد وتستهلكها بلا حساب؟ لماذا تنهب الدول الغنية خيرات الدول الفقيرة ثم تلقي باللوم على عدد سكانها؟ وهل الأرض -بما فيها من بحار ومحيطات وأراضٍ شاسعة- تعجز حقًا عن إطعام البشر؟ أم أن هناك من تعمّد خلق هذا الوهم ليبقى هو المستفيد الأكبر؟"
ساد الصمت للحظات، وأنا أُقلّب في ذهني تساؤلات لم تخطر لي من قبل، ثم همست متسائلًا:
"إذن... هل فكرة ندرة الموارد مجرد كذبة؟"
Comments
Post a Comment