الإسلام والبيئة (41): حين تطعمنا الأرض: النبات ورسالة الحياة

 

لم يكد الحكيم ينهي حديثه عن تسبيح النبات حتى رفع أحد الأطفال يده متحمسًا:

"لقد فهمت الآن أنّ النبات يسبّح الله، لكنني أريد أن أعرف... لماذا جعله الله جزءًا أساسيًا من حياتنا؟ هل له وظيفة أخرى غير التسبيح؟"

ابتسم الحكيم وربّت على كتف الطفل ثم قال:

"نعم يا بني، للنبات وظيفة عظيمة أخرى، فهو ليس مجرد مخلوق يسبّح الله، لكنه أيضًا يمنحنا الطعام لنعيش!"

---

نظرنا جميعًا إلى بعضنا البعض، وكأننا لم نفكر يومًا في هذا الأمر بهذه الطريقة. الطعام الذي نأكله كل يوم، الفاكهة الحلوة، الخبز الساخن، حتى العسل الذي نقطّره فوق طعامنا... كله يعود إلى أصلٍ واحد: النبات!

تلا الحكيم بصوت هادئ:

﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ {الرعد: 4}

---

ثم تابع قائلاً:

"هل تساءلتم يومًا لماذا جعل الله النبات متنوعًا بهذا الشكل؟ لماذا نجد القمح والشعير، والفواكه المتعددة، والخضروات الغنية بكل أنواع الفيتامينات؟"

سكت قليلًا ثم أكمل:

"الله سبحانه قدّر لكل مخلوقٍ رزقه، وجعل الأرض مخزنًا لهذا الرزق، يخرج لنا من باطنها أصنافًا مختلفة من الغذاء. ولم يجعل النبات مجرد مصدر للغذاء فقط، بل جعله علاجًا ووقاية من الأمراض، ومصدراً للطاقة التي تبني أجسادنا وتحفظ قوتنا."

---

قال أحد الأطفال متعجباً:

"لكنني رأيت مزارعًا يسقي حقله، ويزرع بيديه! أليس هو من يمنحنا هذا الطعام؟"

ضحك الحكيم وقال:

"المزارع مجرد سبب، لكنه ليس من يجعل النبات ينمو! ألم تفكر يومًا ماذا يحدث لو منع الله عن النبات الماء؟ أو لو أرسل عليه عاصفة تدمره؟ أو جعل التربة غير صالحة للإنبات؟"

ثم قرأ بخشوع:

﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ {الواقعة: 63-64}

---

سكن المكان، وسكنّا معه. لم يكن أيٌّ منا قد فكر من قبل أن الطعام الذي نأكله كل يوم هو نعمةٌ عظيمة، وأنه ليس مجرد حبة قمح أو ثمرة تفاح، بل هو آيةٌ من آيات الله، دليلٌ على رحمته، وأمانةٌ بين أيدينا لنحافظ عليها.