الإسلام والبيئة (42): حين يرسم النبات ملامح الجمال
رفع أحد الأطفال يده وسأل بحماس:
— "لقد فهمت الآن كيف يمنحنا النبات الطعام، لكن… هل له دور آخر؟ أعني… بعيدًا عن الأكل والشرب؟"
ضحك الحكيم وقال:
— "سؤال رائع يا بني! دعني أسألك: هل سبق لك أن نظرت إلى بستان في الربيع؟ أو تأملت وردة تفتحت تحت أشعة الشمس؟ أو شعرت بالراحة عند الجلوس تحت شجرة وارفة الظلال؟"
— "نعم!" أجاب الطفل باندهاش.
— "إذًا، فقد لمست إحدى أعظم وظائف النبات: إضفاء الجمال على الحياة!"
سكت قليلًا، ثم قرأ بخشوع:
﴿وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۭ فَأَخْرَجْنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍۢ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًۭا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّۭا مُّتَرَاكِبًۭا وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌۭ دَانِيَةٌۭ وَجَنَّـٰتٍۢ مِّنْ أَعْنَابٍۢ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهًۭا وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ ٱنظُرُوٓا۟ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦۤ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكُمْ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ﴾ {الأنعام: 99}
ثم تابع:
— "هذه الآية تدعونا بوضوح إلى التأمل في جمال النبات، وليس فقط إلى أكله أو استخدامه. إنها تخاطب أعيننا وقلوبنا، تدعونا إلى النظر إلى الثمار إذا نضجت، إلى الحبوب في سنابلها، إلى عراجين النخل وألوان العنب والزيتون والرمان… كل هذا الجمال هو رسالة من الله، لكنه رسالة لا يقرؤها إلا من كان لديه قلبٌ يتدبر!"
قاطعه أحد الأطفال متسائلًا:
— "لكن الناس اليوم لا يهتمون بهذا الجمال! هم لا يرون إلا الفائدة المادية من النبات!"
تنهد الحكيم وقال:
— "أحسنت! الناس اليوم لا ينظرون إلى ثمرة الرمان في يدهم كتحفة ربانية، بل كشيء يجب أن يُعصر ليُشرب! ولا يتأملون سنابل القمح الذهبية وهي تتمايل في الحقول، بل يرونها مجرد مصدر للخبز. حتى الورود… لم تعد تُزرع لجمالها، بل لتُقطف وتُعصر لاستخراج العطور! لهذا ذكّرنا القرآن بالجمال الخالص، الجمال الذي لا يُستهلك، بل يُتأمل ويُعاش."
ثم أشار إلى أحد الفتيان قائلًا:
— "هل تعرف أن المسلمين قد تأثروا بهذه الفكرة العميقة في القرآن حتى أصبح التأمل في الجمال الطبيعي عبادة؟"
— "كيف ذلك؟"
— "كان بعض العلماء إذا لم يتمكن من الخروج إلى الطبيعة، يذهب إلى أسواق الخضارين ليتأمل جمال الخضروات والفواكه المصفوفة! كان يرى في ألوانها وأشكالها لوحات إلهية تستحق التدبر."
ثم أخرج من جيبه قطعة قماش مزخرفة وقال:
— "انظروا إلى هذا النقش! هل تعلمون أن الفنان المسلم استلهمه من أوراق الأشجار؟"
انبهر الأطفال بالتفاصيل الدقيقة وقال أحدهم:
— "هل يعني هذا أن جمال النبات لم يكن مصدر إلهام للطبيعة فقط، بل أيضًا للفن؟"
أومأ الحكيم برأسه وأكمل:
— "نعم! ظهر في الحضارة الإسلامية فن رائع يُسمى التوريق، وهو رسم أوراق الأشجار وزخرفتها، وازدهر هذا الفن في العمارة، والنقش على الخشب، والخزف، وحتى على صفحات الكتب والمصاحف! بل إن بعض المصاحف تُزين أوراقها برسوم نباتية تُفصل بها السور، وكأنها تعكس جمال الجنة نفسها!"
ساد الصمت قليلًا قبل أن يهمس أحد الأطفال:
— "لم أكن أعلم أن كل هذا مخبوء في عالم النبات…"
ابتسم الحكيم وقال:
— "وهذا هو سر الجمال يا بني! إنه ليس مجرد شيء نراه، بل شيء نشعر به ونتأمله… إنه آية من آيات الله، تنتظر أن تُقرأ!"
Comments
Post a Comment