الإسلام والبيئة (46): حين تنبض الأرض بالحياة: كيف أرسى الإسلام نظم استصلاح الأراضي؟
وقف الحكيم أمامي في تلك الأرض القاحلة، حيث لم يكن هناك أثر لأشجار أو نباتات، وأشار إلى الأفق البعيد حيث كانت الرياح تحمل غبار الدمار. ثم التفت إليّ قائلاً:
"لقد كان في الإسلام من التشريعات ما لو طُبِّق، لما انتهى بنا الحال إلى هذا الخراب. ومن ذلك، نظام إحياء الموات."
تدخل أحد الأطفال قائلاً:
"ما معنى إحياء الموات؟"
ابتسم الحكيم وأجابه:
"الموات هو الأرض الجرداء غير المستغلة، التي لا تنبت زرعًا ولا تحتضن حياة. أما الإحياء فهو استصلاح تلك الأرض وزراعتها وتحويلها إلى مصدر للخير والنماء. وقد قال النبي ﷺ: 'من أحيا أرضًا ميتة فهي له'. فبمجرد أن يزرع الإنسان أرضًا مهجورة، تصبح ملكًا له، وهذا تشجيع عظيم على تعمير الأرض."
قلت متعجبًا:
"إذن، كان الإسلام يحفّز الناس على استصلاح الأراضي دون انتظار إذن أو ترخيص؟"
هنا، تدخل طفل آخر وقال بحماس:
"لكن بعض الفقهاء قالوا إن الإحياء لا بد أن يكون بإذن ولي الأمر، خاصة إذا كانت الأرض قريبة من العمران، حتى لا تحدث منازعات. أما الأراضي البعيدة، فكان الإحياء فيها متاحًا للجميع دون إذن!"
هز الحكيم رأسه موافقًا:
"هذا صحيح. وكان لهذا التشريع أثر عظيم في اتساع الرقعة الزراعية، ونشوء القرى والمدن حول الأراضي المستصلحة."
قالت طفلة كانت تستمع باهتمام:
"لكن، كيف كان يتم إحياء الأرض؟ هل يكفي حرثها؟"
ضحك الحكيم وأجاب:
"الإحياء لا يكون بالحرث وحده. هناك أعمال أخرى مثل تفجير ماء بئر أو عين، إزالة المياه الراكدة، غرس الأشجار، تكسير الحجارة لتسوية الأرض، تقليم الأشجار، رش المبيدات، والتسميد. ومع تطور الفلاحة، أضيفت تقنيات حديثة، لكن الجوهر بقي ثابتًا: كل من يعمل على تحويل الأرض الميتة إلى أرض زراعية، فهو يحظى بمكافأة عظيمة."
أردفتُ قائلاً:
"وهكذا، لم يكن الغرس والزراعة مجرد عمل اقتصادي، بل عبادة ووسيلة لعمران الأرض."
نظر إليّ الحكيم وقال بحزم:
"بالضبط! لكنك الآن في زمن انتهت فيه الأرض إلى الهلاك لأن الناس لم يعملوا بهذا المبدأ العظيم. كانوا يرون الطبيعة موردًا مؤقتًا، فاستنزفوها بلا تفكير في المستقبل. أما الإسلام، فقد جعل حماية البيئة واستصلاحها من أعظم الأعمال، وجعل الأرض أمانة في يد البشر."
صمتُّ للحظات وأنا أنظر إلى الخراب الذي يحيط بنا، ثم قلت بصوت خافت:
"لقد كان لدينا الحل، لكننا تجاهلناه."
أومأ الحكيم برأسه وقال:
"وهذا هو الدرس الذي عليك أن تحمله معك إلى الماضي... قبل فوات الأوان."
Comments
Post a Comment