الإسلام والبيئة (47): الإقطاع في الإسلام: إعمار للأرض أم احتكار للثروة؟
ركام الأرض الميتة يحيط بنا، لا أثر لأشجار وارفة أو حقول خضراء. كنت أتأمل هذا المشهد الكئيب عندما قاطعني الحكيم بنبرة هادئة:
"هل تعلم أن الإسلام لم يترك الأرض هملاً، بل وضع أنظمة تُحفّز على إعمارها؟"
اقترب الأطفال منّا، كعادتهم، يستمعون بشغف. تحدّث أحدهم قائلاً:
"سمعتُ أنّ هناك نظامًا اسمه الإقطاع، لكنّه في التاريخ الأوروبي كان يعني امتلاك بعض الأثرياء لمساحات هائلة من الأرض، بينما كان الفقراء يعملون فيها كالعبيد!"
ابتسم الحكيم وأجاب:
"صحيح، لكن الإقطاع في الإسلام شيء مختلف تمامًا. الإسلام جعل الأرض وسيلة لتنمية المجتمع، لا لاحتكار الثروات. الدولة تُقطِع الأرض لمن يستطيع استصلاحها، لكن بشرط أن يعمل فيها، لا أن يحتكرها."
أثار هذا فضولي، فقلتُ:
"وكيف يُضمن ألا تتحول الأرض إلى ملكية خاصة للأغنياء فقط؟"
ردّ الحكيم بحزم:
"لو حدث ذلك، لما كان إقطاعًا إسلاميًا! عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما رأى أنّ أحد الصحابة قد أُقطِع أرضًا ولم يستغلها، قال له: 'إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجره عن الناس، وإنما أقطعك لتعمل، فخذ ما قدرت على عمارته ورد الباقي.' وهكذا، إذا لم تُستغل الأرض، تُؤخذ وتُعاد لمن يستطيع استصلاحها."
قاطعه طفل آخر بحماس:
"وهل هذا يعني أنّ أي شخص يمكنه الحصول على أرض؟"
أجابه الحكيم:
"نعم، بشرط أن يكون جادًا في استثمارها. الفقهاء وضعوا قاعدة تقول إن من قام فقط بوضع علامات على الأرض دون أن يزرعها خلال ثلاث سنوات، تسحب منه. لأن الإسلام لا يسمح بتعطيل الأرض."
تنهدتُ وأنا أنظر إلى الدمار من حولي، وقلت بصوت خافت:
"لو طُبقت هذه القواعد، لما كانت الأرض جرداء اليوم."
هز الحكيم رأسه قائلاً:
"وهذا ما عليك أن تخبر به أهل زمانك. الأرض ليست سلعة تُحتكَر، بل أمانة تُعمَّر!"
Comments
Post a Comment