الإسلام والبيئة (50): الأشجار... أنفاس الأرض ووصية السماء
كان الدمار في كل مكان، لم يعد هناك ظل، ولا خضرة، ولا حتى نسمة هواء نقية. الأشجار التي كانت تروي الأرض بحياتها أُبيدت، وتركت خلفها صحراء موحشة لا تصلح للحياة. جلس الأطفال حول الحكيم بعيون يملؤها الحزن، فسأل أحدهم:
"لماذا لم يحفظ البشر الأشجار؟ ألم يكن لديهم قوانين تحميها؟"
تنهد الحكيم قائلاً:
"كان لديهم، لكنهم لم يحترموها. أما الإسلام، فقد جعل حماية الأشجار والغابات أمرًا مقدسًا، بل وحرّم إزالتها بغير سبب، وحذّر من الإفساد في الأرض. ألم تسمعوا قول الله تعالى؟"
ثم تلا بصوت خاشع:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (البقرة: 204-205)
هتف طفل آخر:
"لكن البشر لم يدمروا الأشجار عمدًا، ربما كانوا يحتاجونها للأخشاب أو لمساحة للبناء!"
ابتسم الحكيم وقال:
"وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم أقل احتياجًا منهم؟ ومع ذلك، لم يكن يقطع شجرة دون سبب وجيه. بل إن الصحابة تعجبوا عندما قُطعت بعض النخيل في إحدى الغزوات، فأنزل الله بيانًا يوضح أن ذلك لم يكن إلا بإذنه لحاجة ملحة:
﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ (الحشر: 5)
وسكت الحكيم قليلًا، ثم قال بحزم:
"إن الإسلام لم يترك الأمر بلا ضابط، بل حتى في الحرب، حرّم النبي صلى الله عليه وسلم قطع الأشجار أو إحراقها، إلا إذا كانت هناك ضرورة حقيقية. وقال أيضًا:
"من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار."
اتسعت عيون الأطفال، وسأل أحدهم:
"سدرة؟ ولماذا هذه الشجرة بالذات؟"
قال الحكيم:
"السدر من الأشجار التي تعيش في المناطق الجافة، وهي مصدر الظل الوحيد فيها، فإذا قطعها أحد دون سبب فقد جنى على البشر والحيوانات التي تستظل بها. ولهذا كان العقاب شديدًا، لأن الإسلام لا يحمي الأشجار فقط، بل يحمي كل حياة ترتبط بها."
ساد الصمت، ثم قال طفل صغير وهو ينظر إلى الصحراء القاحلة:
"لو أنهم استمعوا لهذه الأوامر، لما انتهى بنا الحال إلى هذا الجحيم!"
أطرق الحكيم رأسه بحزن ثم نظر إلىّ وقال:
"نعم، لكنك أنت رسول المستقبل، وعليك أن تنقل هذه الوصية إلى زمانك قبل فوات الأوان."
Comments
Post a Comment