الإسلام والبيئة (51): الأشجار... حقها في الحياة وواجبنا في الحماية
كان النسيم جافًا، والأرض متشققة، حيث لا ظل ولا خضرة، وكأنّ الحياة قد اختنقت بانعدام الأشجار. جلس الأطفال حول الحكيم، يتأملون الخراب الذي حلّ بالكوكب، فسأل أحدهم بحيرة:
"لكن الأشجار كانت كثيرة! لماذا لم يبقَ منها شيء؟"
أجاب الحكيم وهو يشير إلى الأرض الجرداء:
"لأن البشر لم يعطوها حقها. كانوا يقتلعونها بلا سبب، يقطعونها بلا حساب، ولم يفهموا أنها ليست مجرد أخشاب، بل هي حياة."
رفع طفل آخر يده وسأل:
"وهل كان الإسلام يمنع قطع الأشجار؟"
ابتسم الحكيم وقال:
"ليس فقط يمنع قطعها بلا سبب، بل وضع أحكامًا تحميها حتى لو زرعها شخص في أرض ليست له! هل تصدق أن من استأجر أرضًا فزرعها، ثم انتهى عقد الإيجار، لا يحق له أن يقتلع الأشجار التي غرسها؟!"
دهش الأطفال، وقال أحدهم:
"لكنها ملكه!"
هز الحكيم رأسه قائلاً:
"في الإسلام، حماية البيئة مقدمة على الملكية الشخصية. الشجرة ليست مجرد ممتلكات، بل هي كائن حي له دور في التوازن البيئي. لذا، لا يجوز إزالتها بلا مبرر."
قاطعه طفل آخر بفضول:
"وماذا عن الأشجار التي تسبب الضرر للناس؟ هل يجوز قطعها؟"
قال الحكيم:
"الإسلام دين العدل. إذا ادّعى جار أن شجرة تؤذيه، فهناك تفصيل:
- إن كانت الشجرة موجودة قبل بناء بيته، فلا يجوز قطعها، لأن البيت هو الطارئ عليها.
- إن كانت قد زُرعت بعد بناء البيت، فإنه يُزال منها فقط ما سبب الضرر، دون قطعها بالكامل."
تدخلت طفلة قائلة:
"وماذا لو كان صاحب الشجرة يطل على الجيران حين يجني ثمارها؟"
ضحك الحكيم وقال:
"في هذه الحالة، لا تُقطع الشجرة، ولكن على صاحبها أن يخبر جيرانه قبل أن يصعد لجني الثمار، حتى لا يزعجهم أو ينتهك خصوصيتهم."
صمت الأطفال للحظة، ثم قال أحدهم وهو ينظر إلى الأشجار الميتة:
"لو أن البشر التزموا بهذه القوانين، لكانت الأرض ما زالت خضراء!"
أومأ الحكيم قائلاً:
"ليس هذا فقط، بل حتى المساحات المحيطة بالشجرة لها حمايتها في الإسلام، حتى تتمكن جذورها من الامتداد بحرية وامتصاص الماء والغذاء."
سألت طفلة:
"كيف ذلك؟"
قال الحكيم:
"الفقهاء وضعوا قواعد لما يسمى حريم الأشجار. فمثلاً، الحنفية حددوا المسافة التي يجب أن تُترك حول الشجرة بخمسة أذرع، لأن النبي ﷺ قاس هذه المسافة بين نخلتين متنازَع عليهما. أما المالكية، فقالوا إن تحديد المسافة يعود إلى أهل الخبرة، لأن لكل شجرة طبيعتها الخاصة."
بدت علامات الاهتمام على وجوه الأطفال، فسأل أحدهم:
"وهل يمكن لأي شخص أن يغرس شجرة بالقرب من أخرى؟"
هز الحكيم رأسه:
"لا، لأن ذلك قد يضر الأولى ويمنعها من الحصول على الماء والغذاء الكافي، ولهذا يجب ترك مسافات مدروسة بين الأشجار حتى تنمو بشكل صحي."
نظر الأطفال إلى بعضهم البعض بحزن، وقال أحدهم بصوت خافت:
"لقد جعل الإسلام الأرض مزرعة للحياة، لكن البشر حوّلوها إلى صحراء قاحلة..."
وضع الحكيم يده على رأسه برفق، وقال:
"لكن الأمل لم يمت بعد... إذا فهمتم هذا، فأنتم الأمل الجديد لإنقاذ الأرض."
Comments
Post a Comment