الإسلام والبيئة (53): الماء... شريان الحياة الذي حماه الإسلام
كانت السماء ملبّدة بالغيوم، لكن المطر لم يكن يتساقط. وقف الأطفال حول الحكيم يتأملون بُحيرة جافة كانت يومًا منبعًا للحياة. تنهد الحكيم بحزن وقال:
"أتعلمون أن هذا المكان كان مليئًا بالماء؟ كانت الأسماك تسبح فيه، والطيور تحلق فوقه، والمزارعون يسقون مزارعهم منه... حتى أضعناه."
قال طفل مترددًا:
"لكن كيف أضعناه؟ أليس الماء شيئًا لا ينتهي؟"
ابتسم الحكيم بأسى وقال:
"هكذا كان يظن كثيرون من قبلكم، لكن القرآن الكريم نبّه البشر إلى حقيقة قد نسوها... أن الماء هو أصل كل حياة، وأنه يمكن أن يضيع إذا لم نحافظ عليه."
ثم تلا بصوت خاشع:
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء: 30)
قالت طفلة بإعجاب:
"إذن، كل المخلوقات خرجت من الماء؟"
"نعم، فقد قال الله:
﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاءٍ﴾ (النور: 45)، بل حتى الإنسان خُلق من ماء دافق، كما في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ﴾ (الطارق: 5-6)"
ساد الصمت للحظات، قبل أن يسأل طفل آخر:
"لكن هل تحدث القرآن عن الماء كثيرًا؟"
أومأ الحكيم قائلاً:
"لقد ذكره ثلاثًا وستين مرة، في كل صوره وأشكاله! تحدث عنه وهو عذب زلال، وملح أجاج، وماء ساخن يعذّب أهل النار، وماء بارد ينعش المؤمنين، وماء ممزوج بالكافور والزنجبيل ليمنحه نكهة خاصة في الجنة. بل وصف كيف يسقي الأرض وينشر الخير، وكيف يصبح طوفانًا يغرق كل شيء، وكيف يحمل السفن بأمان عبر المحيطات."
قالت الطفلة بدهشة:
"إذن، القرآن لم يذكر الماء فقط كنعمة، بل كتحذير أيضًا؟"
"تمامًا!" قال الحكيم:
"خذوا مثلًا قصة سد مأرب في اليمن، حيث جمع الناس الماء في السدود والجداول، فعمّ الخصب وانتشر الرخاء. وصف القرآن هذه الحالة بقوله:
﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ (سبأ: 15)
لكن عندما أعرضوا عن الله وأهملوا السد وفسد نظامهم، تدمرت تلك الجنان وتحولت إلى صحراء قاحلة، كما قال الله:
﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ (سبأ: 16)"
سأل طفل بفضول:
"وهل تحدث القرآن عن تخزين الماء تحت الأرض؟"
"بالتأكيد!" قال الحكيم:
"لقد نبّهنا الله إلى أن الماء محفوظ في خزائن ضخمة تحت الأرض، حيث يمكن استخراجه عند الحاجة، كما قال:
﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (المؤمنون: 18)
لكن انتبهوا! حتى هذه الخزائن ليست دائمة، فقد يحفر الإنسان بئرًا اليوم ويجد الماء وفيرًا، لكنه قد يغور وينضب غدًا، لأن الله يحذرنا قائلاً:
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ (الملك: 30)"
قال طفل بقلق:
"إذن، الجفاف الذي نراه اليوم قد يكون عقوبة؟"
تنهد الحكيم قائلاً:
"ليس بالضرورة عقوبة، لكنه نتيجة طبيعية لسوء استخدام البشر للماء. في الماضي، عندما كانت الأمطار تقل، كان الناس يدركون خطورة الأمر ويلجؤون إلى الاستغفار، لأن الله قال:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ (نوح: 10-11)
أما اليوم، فإن الناس يهدرون الماء بلا تفكير، ثم يتساءلون لماذا جفّت الآبار، ولماذا اشتد الجفاف، ولماذا اندلعت الحروب بسبب الماء!"
قالت الطفلة بحزن:
"الحروب بسبب الماء؟ أليس هذا مبالغًا فيه؟"
"بل هي الحقيقة!" قال الحكيم بجدية:
"اليوم، هناك دول تقاتل من أجل السيطرة على الأنهار، وهناك ملايين البشر يهاجرون بسبب الجفاف، والمجاعات تفتك بأفريقيا وغيرها، وكل هذا لأن الناس لم يستمعوا لتحذيرات القرآن!"
نظر الأطفال إلى البحيرة الجافة بصمت، ثم قال طفل بصوت خافت:
"ولكن، هل يمكننا إصلاح ما فسد؟"
ابتسم الحكيم وأجاب:
"بالطبع يمكنكم! الأمر يبدأ بإدراك أن الماء ليس مجرد مورد، بل هو أمانة، وعلينا أن نحميه كما أمرنا الله. فإذا غيّر الناس سلوكهم، وتوقفوا عن الإسراف، واحترموا الطبيعة، فإن الأرض ستعود خضراء، والمياه ستجري من جديد... لأن الله لا يظلم أحدًا، بل الناس أنفسهم يظلمون."
Comments
Post a Comment