الإسلام والبيئة (54): الماء... بين النعمة والمسؤولية
جلس الأطفال حول الحكيم في ظل شجرة عتيقة، يستمعون إليه وهو يتأمل في نهر كان يومًا يجري متدفقًا، لكنه الآن لم يعد سوى مجرى جاف تتناثر فيه الصخور.
قال الحكيم بحزن:
"هل تعلمون أن هذا النهر كان يومًا يروي الأرض، ويسقي الزرع، ويبعث الحياة في كل مكان؟ لكنه الآن جفّ... ليس لأن السماء توقفت عن المطر، بل لأن الناس أسرفوا في استخدام الماء، ولم يدركوا قيمته حتى فقدوه."
قال طفل متعجبًا:
"كيف يمكن أن يكون الإسراف في الماء خطيرًا؟ أليس من حق الإنسان أن يستخدم الماء كما يشاء؟"
أجاب الحكيم بحزم:
"لا يا بني، الماء ليس ملكًا لأحد، بل هو نعمة يجب حفظها، وقد قال الله:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ الأعراف: 31
حتى النبي ﷺ حذّر من الإسراف، فقد مرّ على الصحابي سعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ، فقال له" :ما هذا السرف يا سعد؟ "فقال": أفي الوضوء إسراف؟" فقال" :نعم، وإن كنت على نهر جارٍ." “رواه أحمد وابن ماجة
سأل أحد الأطفال:
"ولكن كم كان النبي ﷺ يستخدم من الماء في وضوئه؟"
أجاب الحكيم مبتسمًا:
"كان يقتصر على مدٍّ واحد من الماء للوضوء، وهو ما يعادل لترًا ونصفًا فقط، وفي الغسل كان يستخدم أربعة أمداد أو خمسة، أي ما لا يزيد عن ستة لترات!"
بدت الصدمة على وجوه الأطفال، فقالت الطفلة متعجبة:
"لكننا نستخدم أكثر من ذلك بكثير! بعض الناس يتركون الماء يجري أثناء الوضوء، بل هناك من يستحم لساعة كاملة!"
تنهد الحكيم وقال:
"وهذا هو الخطأ! قديمًا، كان الناس يستخدمون آنية صغيرة للوضوء، وكانت معيارًا شرعيًا لكمية الماء المطلوبة. لكن عندما ظهرت صنابير المياه، نسي الناس الاعتدال، وصاروا يستهلكون كميات هائلة بلا حاجة."
قاطعه طفل قائلاً:
"لكن هل يُعتبر ذلك ذنبًا؟"
أومأ الحكيم قائلاً:
"نعم، لأن الإسراف في الماء محرم، بل إن النبي ﷺ سمّى من يبالغ في استخدام الماء معتديًا! فقد قال:
"إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور وفي الدعاء" رواه أحمد وأبو داود
صمت الأطفال للحظات، ثم قال طفل آخر:
"لكن ماذا عن الاغتسال؟ هل هناك حد معين؟"
"بالطبع!" قال الحكيم.
"في الإسلام، هناك فرق بين الاغتسال للعبادة، مثل الغسل من الجنابة، والاستحمام العادي للنظافة. أما اليوم، فقد اختلط الأمر على الناس، وصاروا يستهلكون الماء بإفراط دون تمييز بينهما."
ثم أضاف:
"ولذلك، نهى العلماء عن الزيادة على ثلاث مرات في غسل أعضاء الوضوء، وقال الإمام أحمد: "لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى.""
قالت الطفلة بحماس:
"إذن، الإسلام علّمنا كيف نحافظ على الماء في كل شيء، حتى في الوضوء والاغتسال!"
أجاب الحكيم بفخر:
"نعم، الإسلام لم يترك شيئًا إلا وضّحه، لأن الحفاظ على الماء ليس مجرد عادة، بل هو عبادة ومسؤولية. وإذا التزم الناس بهذه التعاليم، فلن تجف الأنهار، ولن تضيع هذه النعمة العظيمة."
نظر الأطفال إلى النهر الجاف أمامهم بحزن، ثم قال طفل بصوت خافت:
"ولكن، هل يمكن أن يعود الماء يومًا؟"
ابتسم الحكيم وأجاب:
"بالطبع، فالله جعل لكل شيء سببًا، وإذا أصلح الناس حالهم، وحافظوا على الماء كما أمرهم الله، فإن النهر سيعود ليتدفق من جديد، وستعود الأرض خضراء، وستحيا الحياة من جديد."
Comments
Post a Comment