الإسلام والبيئة (55): الماء... أمانة لا تلوثها الأيدي العابثة
جلس الأطفال في حلقة حول الحكيم، يراقبون بحزن بركة ماء راكدة وقد تغير لونها، وانتشرت فوقها طبقة خضراء من الطحالب.
قال الحكيم متأملًا:
"هل تصدقون أن هذا المستنقع كان يومًا ماءً عذبًا يسقي الناس والدواب؟ لكنه أُهمل، وتعرض للتلوث حتى صار كما ترون."
قال طفل باستغراب:
"ولكن كيف نحافظ على الماء من التلوث؟ أليس هو متجدد دائمًا؟"
ابتسم الحكيم وقال:
"الماء نعمة، لكنه أيضًا أمانة، وإذا أهملها الناس فسدت. لهذا، وضع الإسلام أحكامًا لحماية مصادر المياه، ومن أهمها الحفاظ على "حريم الماء"."
رفعت طفلة يدها وسألت:
"ما معنى حريم الماء؟"
أجاب الحكيم:
"هو المساحة المحيطة بمصدر الماء، سواء كان بئرًا أو نهرًا أو عينًا، والتي يجب حمايتها من أي ضرر. فقد قال النبي ﷺ:
"من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا عطنًا لماشيته" رواه أحمد وأبو داود
وتابع موضحًا:
"البئر قد تكون مخصصة لسقي الماشية أو للزراعة، وإذا حفر شخص بئرًا أخرى قريبة جدًا أو بنى شيئًا بجوارها، فقد يعيق الاستفادة منها أو يسبب جفافها. لهذا، وضع الفقهاء ضوابط لحماية الآبار والعيون والأنهار."
حريم الأنهار والبحار
قال أحد الأطفال بحماس:
"وهل ينطبق هذا على الأنهار أيضًا؟"
أومأ الحكيم مؤكدًا:
"نعم، لا يجوز البناء أو الزراعة على ضفاف الأنهار بمسافة نصف عرض النهر، حتى لا نؤذي مجراه الطبيعي، ولم يحدد بعض الفقهاء مقدارًا ثابتًا، بل قالوا إن حريم النهر هو المساحة التي يحتاجها عند فيضانه أو عند تنظيفه."
ثم أضاف:
"حتى البحار لها حريمها، فمن غير المسموح تلويثها، أو البناء بطريقة تؤثر على توازنها البيئي".
ثم نظر إلي وقال مستجديا:
"هلّا حملت عنّا هذه الرسالة إلى أهل زمانك؟"
Comments
Post a Comment