الإسلام والبيئة (57): الهواء... نعمة يجب أن تبقى نقية
تأمّل الطفل السماء التي بدت وكأنها تلبدت بسحب دخانية رمادية، ثم سأل الحكيم وهو يضغط على صدره:
"لماذا أصبح الهواء هكذا؟ لماذا أشعر بصعوبة في التنفس؟"
تنهد الحكيم وهو ينظر إلى الدخان المتصاعد من المصانع البعيدة، وقال:
"لقد أفسد البشر ما وهبهم الله من هواء نقي، وتجاهلوا القوانين التي وضعها الإسلام لحماية هذه النعمة."
اقترب أحد الأطفال وسأل بفضول:
"هل تحدث الإسلام عن الهواء؟ أعني... هل كان الناس يعرفون أن الهواء قد يصبح ضارًا؟"
ابتسم الحكيم وقال:
"لقد تحدث القرآن عن الهواء بوضوح، وأشار إلى خطورة تلوثه، بل وصف استنشاق الهواء الملوث بالدخان بأنه عذاب أليم، كما في قوله تعالى:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيم"ٌ الدخان: 10-11
ارتفع حاجبا الطفل دهشةً وقال:
"هل كان الناس في الماضي يعانون من التلوث كما نعاني اليوم؟"
هز الحكيم رأسه قائلاً:
"لم يكن التلوث بمثل هذا الحجم المدمر، لكنه كان موجودًا. وقد أدرك الفقهاء خطورة الدخان والهواء الملوث منذ قرون، فتحدثوا عن تحريمه إذا كان يؤذي الناس. فما بالك بما تقذفه مداخن المصانع اليوم من غازات سامة تؤذي الإنسان وتدمر البيئة؟"
قاطعه طفل آخر قائلاً:
"لكن كيف يكون الإسلام قد وضع قوانين لحماية الهواء؟"
رد الحكيم بصوت هادئ:
"لقد شرع الإسلام أحكامًا تحدّ من تلويث الهواء بطريقة غير مباشرة، فمثلاً:
تحريم الضرر
الإسلام ينهى عن الإضرار بالنفس والغير، والقاعدة الفقهية تقول: لا ضرر ولا ضرار، وتلويث الهواء بالدخان السام يسبب أمراضًا خطيرة، منها الربو والسرطان وأمراض القلب.
النهي عن التدخين وكل ما يلوث الهواء
من المعلوم أن التدخين يضر المدخن ومن حوله، فما بالك بالدخان المتصاعد من آلاف المصانع والسيارات؟
حماية المدن من التلوث
في العصور الإسلامية، كان يتم بناء المدن بطريقة تحميها من التلوث، حيث كانت الأسواق والصناعات تُبنى بعيدًا عن المناطق السكنية، مما يقلل من تلوث الهواء.
تشجيع التشجير
الإسلام يدعو إلى غرس الأشجار، وهي التي تقوم بتنقية الهواء من الغازات الضارة.
رفع أحد الأطفال يده قائلاً:
"لكن هل هذا يكفي؟"
أجاب الحكيم بحزن:
"كان يكفي لو أن البشر التزموا بهذه القوانين، لكنهم تجاهلوها وسعوا وراء الربح السريع على حساب صحة الناس والبيئة. واليوم ندفع جميعًا الثمن... أمراض لا تنتهي، مناخ مختل، وكوارث بيئية تتزايد يومًا بعد يوم."
ساد الصمت للحظة، ثم قال الطفل الأول بحزم:
"علينا أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع الطبيعة... إذا كان الإسلام قد وضع الحلول منذ قرون، فلماذا لا نطبقها الآن؟"
نظر الحكيم إليه بإعجاب وقال:
"هذا هو السؤال الصحيح... والسؤال الأهم: هل سينقل زائرنا من الماضي هذه الرسالة إلى العالم قبل فوات الأوان؟"
Comments
Post a Comment