الإسلام والبيئة (58): هواء نقي... حياة نقية
كان أحد الأطفال يتنفس بعمق، لكنه عبس فجأة وأغلق أنفه بيده، وقال للحكيم:
"ما هذه الرائحة الكريهة؟ أشعر بالاختناق!"
ابتسم الحكيم بحزن وقال:
"هذا هو الهواء الذي أفسده الناس، لم يكتفوا بتلويثه بالدخان، بل جعلوه مليئًا بالروائح المنتنة، فهل تظن أن الإسلام غفل عن هذا الأمر؟"
هز الطفل رأسه وقال:
"لم أكن أعلم أن الإسلام اهتم بنقاء الهواء من الروائح أيضًا."
ضحك الحكيم برفق وقال:
"لقد كان النبي ﷺ أشد الناس حرصًا على النظافة والروائح الطيبة، وكان يقول: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة" رواه الترمذي
قاطعه طفل آخر بحماس:
"لكن كيف كان يحرص على ذلك؟"
أجاب الحكيم:
"لقد كانت للنبي ﷺ سُكة من طيب يتعطر بها، وكان لا يرد الطيب أبدًا، وقال: حُبِّب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وجُعِلت قرة عيني في الصلاة " رواه النسائي
تنهد الطفل الأول وقال:
"لكن هذا عن الطيب، ماذا عن الروائح الكريهة؟"
أومأ الحكيم برأسه قائلاً:
"لقد حذر النبي ﷺ من كل ما قد يزعج الناس بروائحه، فقال:
من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" رواه البخاري ومسلم
رفع أحد الأطفال حاجبيه بدهشة وقال:
"إلى هذه الدرجة؟"
ابتسم الحكيم وأكمل:
"كان المسجد هو مكان اجتماع الناس وعبادتهم، فلم يكن من اللائق أن يأتي أحدهم بروائح تؤذي الآخرين، وهذا ينطبق على أي تجمع بشري، سواء كان في الأسواق أو في البيوت أو في أي مكان عام."
قاطعته طفلة قائلة:
"ولهذا دعا الإسلام إلى الاغتسال يوم الجمعة، أليس كذلك؟"
أجاب الحكيم مبتسمًا:
"أحسنتِ! قال النبي ﷺ: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل (رواه أبو داود). لأن يوم الجمعة يوم اجتماع كبير، والناس يجلسون متقاربين، فمن الطبيعي أن يحرص كل واحد على أن يكون نظيفًا حسن الرائحة."
سأل طفل آخر:
"وماذا عن الفم؟ أليس من أكثر مصادر الروائح الكريهة؟"
هز الحكيم رأسه موافقًا وقال:
"بالضبط! ولهذا أمر النبي ﷺ بالسواك، وقال: السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب (رواه البخاري). بل إنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" رواه مسلم
فكر الأطفال في كل ما سمعوه، ثم قال أحدهم:
"يعني الإسلام لم يكتفِ فقط بالكلام عن نقاء الهواء، بل جعل الطهارة والعناية بالنظافة جزءًا من العبادة اليومية؟"
ضحك الحكيم وقال:
"تمامًا! فالمسلم لا يحمي البيئة فقط من التلوث، بل يحمي الناس من الأذى، ويجعل الحياة أكثر نقاءً وجمالًا."
ساد الصمت للحظة، ثم قال طفل مبتسمًا:
"إذن، كلما استعملت العطر أو نظفت فمي، فأنا لا أعتني بنفسي فقط، بل أساهم في حماية الهواء الذي نتنفسه جميعًا!"
أومأ الحكيم برضا وقال:
"وهذا هو الفهم العميق للإسلام... فالنظافة ليست مجرد عادة، بل هي أسلوب حياة ينعكس على الجميع."
Comments
Post a Comment