الإسلام والبيئة (61): وصية للأجيال القادمة... كيف ننقذ الأرض قبل فوات الأوان؟
جلستُ أمام الحكيم، هذه المرة بقلق لم أستطع إخفاءه. كأنني حملت معي من الماضي ثِقل الأسئلة التي لم أجد لها إجابات في زماني. نظرتُ إليه وقلتُ بلهجة يائسة:
"لقد فهمتُ الآن كيف وصل العالم إلى هذا الدمار... لكن هل فات الأوان؟ ماذا يمكننا أن نفعل؟ كيف ننقذ الأرض؟"
أطرق الحكيم برأسه لحظة، ثم قال بهدوء:
"لم يفت الأوان، لكن يجب أن تفهم أن إنقاذ الأرض لا يكون بالصراخ في وجه الظالمين فقط، بل ببناء الوعي، وتغيير السلوك، واتخاذ إجراءات عملية تحفظ البيئة من العبث."
قلتُ بحماس:
"إذن، يجب أن نضع خطة واضحة! نحتاج إلى خطوات عملية يمكن أن يتبعها أهل زماني قبل أن يصلوا إلى هذا المصير."
ابتسم الحكيم وقال:
"هذا هو المطلوب! وأول خطوة هي بناء المعرفة. لا يمكن أن يحافظ الناس على ما لا يعرفون قيمته."
"وكيف نبني هذه المعرفة؟"
ردّ الحكيم بثقة:
"على أهل زمانك أن يضعوا فقهًا للبيئة، كما وضعوا فقهًا للأسرة والاقتصاد والمعاملات. يجب أن يكون هناك اجتهاد علمي وفقهي ينظم علاقة الإنسان بالبيئة، ويبيّن الأحكام الشرعية المتعلقة بحماية الطبيعة، وعدم الإضرار بالكائنات الأخرى، وإدارة الموارد بحكمة."
هززت رأسي موافقًا وقلت:
"هذا صحيح! فلو عرفت الأجيال القادمة أن الإسلام لا يسمح بإلقاء القاذورات في الماء، أو قطع الأشجار بلا سبب، أو تلويث الهواء، لكان ذلك رادعًا لهم!"
أومأ الحكيم قائلاً:
"ولهذا، يجب أن تكون التربية البيئية جزءًا من مناهج التعليم، ليس فقط في المدارس الحديثة، بل حتى في التعليم العتيق، حتى يدرك طلاب العلوم الشرعية أن الحفاظ على البيئة جزء من الدين، وليس مجرد مسألة علمية حديثة."
"إذن، يجب أن يتعلم الأطفال منذ صغرهم كيف يحترمون الطبيعة، وكيف يكونون مسؤولين عن البيئة!"
"بالضبط!" قال الحكيم وهو ينظر إلى الأطفال الجالسين بالقرب منا، والذين كانوا يستمعون بانتباه. ثم تابع:
"يجب أن تصل هذه المعرفة إلى الجميع، ليس فقط في المدارس، بل في المساجد والخطب والدروس العامة. يجب أن يسمع الناس عن فقه البيئة كما يسمعون عن الصلاة والصيام. فالإسلام دين شامل، ولا يمكن تجزئته."
أضفتُ بحماس:
"وهذا يعني أيضًا أن يصبح الوعي البيئي جزءًا من ثقافة المجتمع، حتى عند التوظيف! ماذا لو أضفنا أسئلة حول البيئة في امتحانات الوظائف؟ بحيث لا يُسمح لأي شخص بشغل وظيفة في مجال الصناعة، أو الإعمار، أو الطاقة، دون أن يكون لديه وعي بيئي حقيقي؟"
ضحك الحكيم وقال:
"أحسنت! هذه فكرة رائعة. لا يكفي أن يكون الإنسان متعلمًا في مجاله، بل يجب أن يكون واعيًا بكيفية تأثير عمله على الأرض. فمن غير المقبول أن يبني المهندس مدينة دون أن يحسب حساب المساحات الخضراء، أو أن يدير المصنع دون أن يفكر في إدارة النفايات، أو أن يزرع الفلاح أرضه دون أن يحمي التربة من التلوث."
"لكن ماذا عن القوانين؟"
أصبح وجه الحكيم أكثر جدية وهو يقول:
"القوانين ضرورة لحماية البيئة، لكنها ليست كافية وحدها. يجب أن تكون التخطيطات العمرانية، وإدارة الموارد، والسياسات الاقتصادية كلها مبنية على حماية الأرض، وليس على استنزافها."
تنهدتُ وقلت:
"لكن في زماني، يُبنى كل شيء لصالح الشركات الكبرى، وليس لصالح الطبيعة!"
نظر إليّ الحكيم بعينين ثاقبتين وقال:
"وهنا يأتي دورك... أنت ومن يفهم الحقيقة. يجب أن تنقل هذه الرسالة، أن تُعلِّم الناس أن البيئة ليست قضية هامشية، بل هي جوهر حياتهم. إن لم يستيقظوا الآن، فسيجدون أنفسهم حيث وجدتَ أنت نفسك اليوم... في عالم مدمر، حيث يبحث الناس عن مجرد هواء نظيف وماء نقي!"
نظرتُ إلى الأطفال من حولنا، كانت أعينهم مليئة بالأمل رغم كل شيء. شعرتُ بثقل المسؤولية، لكني أدركتُ أن هناك طريقًا للنجاة.
قلتُ بصوت حازم:
"سأنقل هذه الرسالة... سأحذر أهل زماني، وسأدعوهم لتغيير مسارهم قبل فوات الأوان."
ابتسم الحكيم وقال:
"إذن، لم يفت الأوان بعد... انطلق، وأعد بناء الوعي قبل أن يُمحى كل شيء."
Comments
Post a Comment