فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (6): والرُّجز فاهجر: هجران الشرك وما دونه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على النبي الطاهر الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يأتي الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بعد طهارة الظاهر والباطن، ليكون التوجيه التالي {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]. هذه العبارة الموجزة تحمل معانٍ عميقة في إعداد الداعية، إذ تتعلق بنقاء العقيدة وصفاء التوحيد.
لطائف التفسير وإعداد الداعية
- "الرُّجز": فُسّر الرجز بالشرك، وكل أنواع الذنوب والمعاصي. وهو يشمل الأصنام المعبودة من دون الله، وكل ما يُبعد الإنسان عن خالقه. إنها دعوة لنبذ كل ما يتعارض مع التوحيد الخالص، سواء كان شركًا جليًا أو خفيًا.
- "فَاهْجُر": الهجر هو الترك مع البغض، وليس مجرد الامتناع السطحي. إنما هو قطيعة كاملة مع الباطل، لا يبقى فيها للنفس ميل إليه أو شغف به. في سياق الدعوة، تعني هذه الآية أن يكون الداعية طاهرًا من أي ولاء أو ميل لغير الله، بعيدًا عن التلون أو المداهنة.
إسقاطات معاصرة
في عالم اليوم، تتعدد الأصنام وتتنوع صور الرجز؛ فليس بالضرورة أن تكون من حجارة أو خشب، بل قد تكون أفكارًا ونظريات وأيدولوجيات تُعبد من دون الله. عبادة المال والسلطة والشهرة، التعصب للعرق أو القومية، الانبهار بالمذاهب البشرية كالعلمانية أو الليبرالية دون النظر إلى هدي الله. كل هذه أصنام معاصرة يجب على الداعية أن يهجرها قلبًا وقالبًا.
كذلك، فإن هجر الرجز يتضمن رفض النفاق السياسي، ورفض أن يكون الداعية تابعًا لأهواء الناس أو لضغوط القوى الكبرى. فالداعية الحق لا يهادن الباطل ولو بدا قويًا متجبرًا؛ لأنه يعلم أنّ الحق، وإن كان ضعيفًا في أعين الناس، فهو عند الله غالب.
الهجر الإيجابي والسلبي
الهجر هنا ليس عزلةً عن الناس، بل هو انخراط في المجتمع مع رفض واضح للباطل. الداعية مطالب أن يُظهر موقفه بلا مواربة، وأن يُقيم الحجّة على الناس ببيان الحق خالصًا، دون خلط أو مداهنة. فهو يدعو إلى الله على بصيرة، بعيدًا عن المجاملات التي تُفسد الرسالة وتضعف أثرها.
ختامًا، فإن {وَالرُّجْزَ فَاهْجُر}ْ دعوة للداعية لأن يكون نقيًا من الداخل، قويًا في موقفه، ثابتًا في ولائه لله وحده، متحررًا من عبودية المظاهر الزائفة.
نسأل الله أن يجعلنا ممن هجروا الباطل وأهله، واعتزلوا كل رجز ظاهر أو خفي.
Comments
Post a Comment