فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (7): ولا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ: الإخلاص في الدعوة

 

سلسلة فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أمرنا بالإخلاص ونهانا عن الرياء، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نصل في هذه الرحلة المباركة إلى الآية العظيمة {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]، حيث يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بنقاء النيّة وصفاء الطويّة، ليكون عمله خالصًا لوجه الله، بعيدًا عن طلب الدنيا أو المقابل من الناس.


لطائف التفسير وإعداد الداعية

  • "ولا تمنُن": المنُّ هو الإحسان إلى الغير مع توقع الجزاء، سواء كان الجزاء معنويًا كالثناء والشكر، أو ماديًا كالعطاء.
  • "تستكثر": لا تعمل العمل لتكثر به من رصيدك الشخصي من المدح أو الذكر أو التبجيل. فالنيّة الصافية التي لا يشوبها الرياء هي أساس القبول.


إسقاطات معاصرة

في زماننا، تتنوع أشكال المنّ والاستكثار؛ قد يكون على هيئة الاستعراض بإنجازات الدعوة على وسائل التواصل، أو انتظار المقابل المادي أو الاجتماعي. من الدعاة من يربط نشاطه بمصالح شخصية أو مصالح حزبية، فيضعف إخلاصه ويُشوّه أثر دعوته.

وكما أنّ الآية موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم، فهي موجهة لكل داعية إلى الله. فالداعية الصادق لا ينتظر الثناء من أحد، ولا يقيس نجاحه بعدد المتابعين أو حجم الشهرة، بل يقيسه بمدى إخلاصه وصدق توجهه نحو الله.


التوازن بين الثبات والعطاء

الآية تُعلّمنا أنّ العطاء لا يُقصد به المكاسب الشخصية. نعم، يسعى الداعية إلى نشر الخير وتوسيع دائرة التأثير، لكنه لا يحوّل دعوته إلى وسيلة للربح أو الشهرة. عليه أن يُدرك أنّ الناس يُقدّرون المخلصين، لكنهم يمقتون المستغلين.


ختامًا، فإن {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} هي دعوة للإخلاص والتنزه عن شوائب النفس، وتذكير للدعاة بأنّهم يعملون لله، لا لأنفسهم. نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام