فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (8): ولربك فاصبر: الصبر زاد الداعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وعد الصابرين أجرًا بغير حساب، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان قدوة للصابرين في سبيل الله، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه بإحسان إلى يوم الدين.
نختم صفات الداعية بالآية العظيمة {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر}ْ [المدثر: 7]، حيث يأتي الأمر الإلهي بالتسلّح بالصبر، لا لأي غرض دُنيوي، بل خالصًا لله، ولأجل نشر رسالته.
لطائف التفسير وإعداد الداعية
- "ولربك فاصبر": الصبر هنا ليس مجرد تحمل المصاعب، بل هو الثبات على الحق، ومواجهة الابتلاءات والمحن بثبات قلب ورضا بالله. الصبر هنا هو لأجل الله وحده، وليس من أجل الثناء أو المردود الشخصي.
- يُفهم من الآية أن الصبر من أركان الدعوة الأساسية، لأن الداعية سيواجه ما واجهه الأنبياء من السخرية والاستهزاء والتكذيب، ولن يصمد إلا من جعل صبره لله.
إسقاطات معاصرة
في واقعنا المعاصر، تتعدد التحدّيات أمام الداعية؛ من التضييق الإعلامي، والتحريف الفكري، إلى محاولات التشويه والتشكيك. إنّ الصبر المطلوب ليس مجرد احتمال الأذى، بل هو الثبات على المبدأ، والتمسك بالحق، مع القدرة على ضبط النفس أمام الاستفزازات.
كما أنّ الصبر يشمل الاستمرار في الدعوة رغم قلة النتائج الظاهرة أو ضعف الاستجابة. قد يرى الداعية أنّ جهوده لا تلقى التقدير أو القبول، لكن عليه أن يتذكر أنّ الأجر على الله وليس على الناس.
الصبر بين الثبات والتجديد
الآية تدعو إلى الصبر الممزوج بالحكمة؛ فالداعية لا يقف جامدًا أمام العقبات، بل يحاول بإبداع وذكاء تجاوزها، دون التفريط في ثوابت دينه. صبره ليس استسلامًا، بل هو تحدٍّ واعٍ واستعداد دائم للثبات.
ختامًا، فإن {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر}ْ هي دعوة لكل داعية ليجعل صبره زادًا، وصموده عبادة، وموقفه خالصًا لله تعالى. نسأل الله أن يمنحنا الصبر والثبات في الدعوة إلى سبيله.
Comments
Post a Comment