رمضان والقرآن (9): محاور سورة آل عمران (الجزء الأول)
تُعدُّ سورة آل عمران من السور العظيمة التي تناولت قضايا العقيدة والتوحيد بأسلوب بياني فريد، حيث جاء اسمها متوافقًا مع أحد محاورها الرئيسية، وهو الردّ على النصارى الذين غالوا في شأن عيسى عليه السلام حتى ألّهوه.
سبب التسمية وعلاقته بمضمون السورة
سُمّيت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على قصة آل عمران، حيث ذكر الله تعالى اصطفاءهم في قوله: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ"، ثم تلا ذلك ذكر قصة امرأة عمران التي نذرت ما في بطنها لله قائلة: "رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" ومن المثير للانتباه أن هذه السورة هي الموضع الوحيد الذي وردت فيه قصة أم مريم عليها السلام، إذ لم تذكر حتى في سورة مريم نفسها، مما يُبرز تفرد هذه السورة في تناول تلك المرحلة المهمة من تاريخ النبوة.
كما أن اسم "آل عمران" يحمل إشارة قوية إلى الأصل البشري للنبي عيسى عليه السلام، فهو من آل عمران، مما يدحض مزاعم النصارى الذين ادّعوا ألوهيته. فالسورة تأتي بتقرير واضح لحقيقة عيسى عليه السلام، وأنه عبدٌ لله، اصطفاه برسالته، لا كما ادّعى قومه.
محور السورة وأهم موضوعاتها
تدور السورة حول إثبات وحدانية الله تعالى بالأدلة النقلية والعقلية، وإقامة الحجة على من أشرك بالله، خاصةً النصارى الذين غالوا في عيسى عليه السلام. كما أنها تستعرض جوانب أخرى متعلقة بهذه القضية، ومن أبرز موضوعاتها:
لطيفة قرآنية في افتتاحية السورة
من الملاحظ أن جميع السور التي تبدأ بالحروف المقطعة يأتي فيها ذكر القرآن الكريم مباشرةً بعد هذه الأحرف، مثل قوله تعالى في البقرة: "الٓمٓ*ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ" لكن في سورة آل عمران، جاء الحديث عن وحدانية الله قبل ذكر القرآن، فقال الله "الٓمٓ*اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ*نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ" وهذا التقديم يُبرز أهمية التوحيد كقاعدة أساسية قبل كل شيء، مما جعل بعض العلماء يسمّون السورة بـ "سورة التوحيد".
خاتمة
تُعتبر سورة آل عمران مدرسة قرآنية متكاملة، تجمع بين العقيدة، والتاريخ، والتربية، والتوجيهات الإيمانية العميقة. وقد جاءت لتثبيت قلوب المؤمنين، ومناقشة أهل الكتاب بالحجة والبرهان، وتقوية اليقين في قلوب المسلمين بأن الدين الحق هو الإسلام، وأن عيسى عليه السلام عبدٌ لله، جاء مبشرًا برسالة التوحيد التي أكملها خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
تم الاستفادة في هذه السلسلة من كتاب التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، تأليف نخبة من العلماء بإشراف أ.د. مصطفى مسلم، لمن أراد التوسع في هذا الموضوع.
Comments
Post a Comment