نهضة بلا إذن (17): ملامح الإنسان الواعي في مشروع النهضة

 

سلسلة نهضة بلا إذن

النهضة ليست خطة عمل تُكتب، بل روح تُبعث.
وما من أمة نهضت إلا حين وُجد فيها الإنسان الواعي، الذي حمل همّها لا بدموعه فقط، بل بعقله وسلوكه، ومضى يغيّر العالم من حوله دون أن ينتظر إشارة من أحد.

فمن هو هذا الإنسان؟
ما ملامحه؟
ما الذي يميّزه عن غيره؟
ولماذا نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى؟


1. لا ينجرف… بل يتفكّر

الإنسان الواعي لا يتحرك مع القطيع، ولا يصفّق لمجرد أن الآخرين صفقوا.
إنه يتأنى، ويتساءل، ويقارن، ويفهم السياقات قبل أن يتخذ موقفًا.
هو ذلك الذي يمرّ عليه الحدث الجلل، فيرى ما وراءه من مصالح، ودوافع، وتاريخ، وليس فقط ما يراه الناس على الشاشات.

إنه لا يعيش اللحظة فقط… بل يعيش المعنى داخل اللحظة.


2. لا يكرر العبارات… بل يفككها

بينه وبين "الخطاب الجاهز" خصومة قديمة.
حين يسمع كلمات مثل: "لا شأن لنا"، "السياسة نجاسة"، "التغيير مستحيل"، "الأمر أعقد مما نظن"… لا يكتفي بالصمت.

بل يسأل:

من قال هذا؟
لماذا نكرره؟
من يستفيد من شيوعه؟

إنه يعرف أن الكلمات تشكّل العقول، وأن كل عبارة تُمرَّر بلا وعي، تترك ندبة في فكر الأمة.


3. لا ينتظر أحدًا… بل يبدأ من نفسه

الإنسان الواعي لا ينتظر قائدًا خارقًا ولا لحظة مثالية.
يعرف أن التغيير يبدأ من تفكيره، عاداته، لغته، علاقاته، طريقته في تربية أولاده، ونظرته للزمن.

وقديمًا قال أحدهم:

"من لا يستطيع تنظيم يومه، لن يستطيع تحرير أمته."


4.  لا يعيش في الماضي… بل يتعلم منه

هو قارئ للتاريخ، لا عاشق لنواحٍ عليه.
لا يحمّل الخلفاء كامل المجد ولا كامل الخطيئة.
بل ينظر إلى الأمس ككتابٍ مليء بالدروس، لا كمتحف مقدس.

هو يدرك أن الأمّة التي لا تقرأ تاريخها تُعاد كتابته لها،
وغالبًا بأيدي أعدائها
.


5. لا يُصاب بالتخدير العاطفي

في زمن تسويق الألم، وصناعة الحزن الجماعي، وتخدير الأمة بخطابات البكاء واللعن
يظلّ الإنسان الواعي هو من يرفض أن يُختزل في دمعة.

إنه يشعر بالغضب، ولكنه لا يكتفي به.
يتألم، ولكنه لا يتقوقع.
يصرخ، ولكن ليوقظ لا ليبكي.


6.  لا يُستدرج إلى المعارك الخطأ

حين تُثار الفتن، وتُشغَل الأمة بقضايا هامشية،
هو من يقول:

"هذا ليس وقتها"،
"
هذه معركة لصرف الأنظار"،
"
لن أنسى القضية المركزية."

إنه ليس ضد النقاش… لكنه ضد تضييع البوصلة.


7.  لا يُقنط… ولا يكتفي بالأمل

الإنسان الواعي ليس درويشًا يعلّق مستقبله على معجزة.
لكنه أيضًا لا يسكنه اليأس، لأن لديه من البصيرة ما يجعله يرى الإمكانيات وسط الركام، والبدايات في قلب النهايات.

هو متفائل، لا ساذج.
واقعي، لا مثبّط.
باني، لا ناقد فقط.


8. لا يقف وحده… بل يصنع أمثاله

أحد أهم ملامح الإنسان الواعي أنه لا يستعرض وعيه، بل يشارك الآخرين فيه.
فهو يُعلّم، يحاور، يزرع الفكرة في صدور الآخرين، يؤسس دوائر الفهم، ويبني مجتمعه المصغر حوله.

إنه يدرك أن الوعي الفردي إن لم يتحول إلى وعي جماعي، فمصيره أن ينطفئ بصمت.


9.  لا يستهين بالكلمة

يعرف أن الكلمة بداية الفكرة، والفكرة بداية السلوك، والسلوك بداية المصير.
فلا يتحدث إلا عن وعي، ولا يكتب إلا بقصد، ولا ينشر إلا ما يليق بأمّة تُريد النهوض.


خاتمة: الإنسان الذي نحتاجه اليوم

ليس عبقريًا خارقًا
ولا زاهدًا من عالم آخر
بل هو شخص يشبهك تمامًا
لكنّه قرر أن يرى الحقيقة، ويفكر، ويتحمّل مسؤوليته، ويرفض النوم وسط النائمين.

إنه الإنسان الذي يقول: لا نحتاج إذنًا كي ننهض.

فهل تكون أنت هو؟

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام