نهضة بلا إذن (19): الدور الغائب: الآباء وصناعة الوعي
في كل أمةٍ تنهض، كان هناك دائمًا جيلٌ يحمل في داخله شعلةً لم تنطفئ. لكن تلك الشعلة لا تُولد في الفراغ، بل تُغرس في الطفولة الأولى، حيث يتشكل الوعي الأول وتتكون علاقة الإنسان بالعالم، بالحياة، وبنفسه. ومن هنا، فإن الآباء ليسوا مجرد ناقلي جينات، بل صانعو أجيال، ومهندسو وعي طويل المدى.
لقد كان سقراط لا يُعلّم أبناء مدينته الكتابة فحسب، بل كان يُعلمهم كيف يفكرون. وكان ينظر إلى نفسه باعتباره "قابلةً" تولّد المعنى في عقول الشباب. أما اليوم، فقد تحوّلت البيوت إلى أماكن للنوم، لا محاضن للتفكير، وغاب سؤال "كيف تفكر؟" ليحل محله سؤال "كم حصلت من الدرجات؟".
إن النهضة لا تبدأ من الجامعات، بل من أحضان الأمهات.
لا تُبنى في قاعات المؤتمرات، بل في تفاصيل التوجيه اليومي، حين تزرع الأم في طفلها القدرة على التساؤل، ويغرس الأب في ابنته احترام العقل، والإحساس بالكرامة.
إشارات من التاريخ:
حين تكلم مالك بن نبي عن دور والدته في حياته، لم يكن يفتخر فقط بأنها أم تحسن الطهي أو التنظيف، بل كانت تلك التي علّمته "أن لا يمد يده"، وأن يقرأ كل يوم. أمٌّ واحدةٌ ربّت رجلًا واحدًا، فصنع مشروعًا حضاريًا ما زال يوقظ العقول إلى اليوم.
وفي اليابان، بعد الحرب العالمية الثانية، كانت الأمهات يدرّبن أبناءهن على النظام واحترام الوقت داخل البيوت الصغيرة المدمّرة، لأنهن كنّ يؤمنّ أن الوطن يُبنى من الداخل، لا من قصور السلطة.
خطوات عملية:
- امنح أطفالك أسئلة لا أجوبة: علّمهم أن العالم لا يُفهم بحفظ الجمل، بل بالتفكير النقدي، وأن المعرفة الحقيقية تبدأ حين نُدرك جهلنا.
-
-
-
وأخيرًا...
حين يدرك الأبوان أن أبناءهم ليسوا فقط أطفالًا يجب إطعامهم وإلباسهم، بل بذور مشروع حضاري كامل، حينها فقط نبدأ أول خطوة حقيقية نحو النهضة.
فالشعوب التي تنتظر المعجزة من الحكومات، بينما تغفل عن البيوت، ستبقى تنتظر طويلًا.
Comments
Post a Comment