نهضة بلا إذن (2): بين الأسطورة وصناعة التاريخ
منذ قرون، وقصص البطولة تُروى في مجالس المسلمين، من المقاومة ضد الاستعمار إلى انتفاضات الشعوب المقموعة، حتى أصبح لدينا مخزون هائل من "الملحمة"… ولكن حضارة؟ لا تزال غائبة.
الأسطورة تنشأ حين يُستبدَل الفعل بالرمز، والوعي بالأمنية. أبطالها يقاتلون دون خطة، يواجهون مصيرهم ببطولة تُرضي الجماهير لكنها لا تصنع واقعًا. في الأسطورة، الشهادة غاية، والهزيمة مقبولة ما دامت "مشرفة"، أما في التاريخ، فالنصر مشروع، والهزيمة كارثة يجب فهمها وتجاوزها.
لكن لا يُفهم من هذا أن كل بطولة هي أسطورة خاوية. فبعض البطولات تُربك حسابات الطغاة، وتبعث في الأمة روحًا جديدة، وتُمهّد لطريق تاريخي مختلف… كما رأينا في ملحمة طوفان الأقصى، حيث تجلت أعظم معاني الشجاعة والابتكار والتضحية، لا كعرض بطولي عابر، بل كمقدمة حقيقية لميلاد مرحلة جديدة في تاريخ الأمة.
ما ننتقده هو أن تظل البطولات منفصلة عن المشروع الحضاري، أن تُكرّر دون أن تثمر، أن تُرفع كرايات فخر لا كمحطات بناء. في القرن الماضي، قاومت الشعوب الإسلامية الزحف الاستعماري ببسالة، لكنّ تلك المقاومة – في معظمها – لم تتحول إلى مشروع نهضوي شامل. لم تُبنَ مدارس، لم تُكتب مناهج، ولم تُراجع الأفكار التي سبقت الاحتلال ومهدت له. قاومنا الاستعمار… لكننا لم نعالج الاستعمار الذي فينا: الجهل، التبعية، العجز الذاتي.
وهنا جوهر الفرق:
الأسطورة تُغذّي الكبرياء، أما صناعة التاريخ فتُغذّي الوعي.
ولأن الشعوب الإسلامية لم تتحول بعد إلى فاعلٍ في سلسلة الحضارات، فهي تظل رهينة التبعية، تنتظر لحظة "الانبعاث" دون إعداد، دون فهم لدورها، ودون امتلاك أدواتها. وحين تدق ساعة التحول، لا تكون مستعدة… فتفقد دورها، وتتخلف عن القافلة.
خطوة عملية:
لنبدأ من الآن بمشروع توثيق علمي، شعبي، مستقل، يجمع تجارب المقاومة من القرن الماضي حتى اليوم، لا كذكريات عاطفية، بل كدروس استراتيجية:
- كيف نجحت؟
- لماذا فشلت؟
- ما الذي ينقصها لتُصبح بذرة لحضارة؟
لن نُجيد صناعة التاريخ… حتى نُجيد أولًا قراءته قراءة صحيحة.
Comments
Post a Comment