نهضة بلا إذن (20): إعلام بلا إذن: منابر لا تنام
حين كانت وسائل الإعلام حكراً على الحكومات، كان الكذب مرتّبًا على هيئة نشرات، والخداع مقطّعًا بموسيقى نشرة التاسعة، وكان المواطن يجلس أمام الشاشة ليُخبره المذيع بما عليه أن يفكر فيه.
لكن الزمن تغيّر.
صرنا نعيش زمنًا جديدًا، انفجرت فيه وسائل التعبير، وتهاوت فيه حواجز الصوت والصورة، وصار كل صاحب كلمة، أو صورة، أو صوت، أو فكرة… يملك إعلامًا صغيرًا، لا تحدّه حدود، ولا تحكمه الرقابة.
غير أن السؤال الأهم اليوم لم يعد: هل تملك منبرًا؟ بل: هل تملك وعيًا؟
إرث الإعلام في بناء الوعي
منذ نشأة الحضارات، كان الإعلام -بكل صوره- سلاحًا حضاريًا. الشعراء في الجاهلية كانوا إعلاميّي قومهم، يرفعونهم بالمدح أو يهدمونهم بالهجاء. وفي الإسلام، كان حسان بن ثابت رضي الله عنه إعلام الدولة النبوية، يذود عن الرسول ﷺ بكلماته، ويجاهد بلسانه كما يجاهد الآخرون بسيوفهم.
وفي كل الثورات الكبرى، كان للإعلام المقاوم دور مركزي في زعزعة الثقة بالأنظمة القديمة، وتأسيس وعي جديد يسبق الفعل الثوري. فقبل كل تحرك سياسي، يولد خطاب جديد، يمر عبر كتّاب وشعراء وخطباء ومؤثرين.
اليوم... الإعلامي مقاوم حضاري
في زمن الهيمنة، الإعلامي الحقيقي لا يكون مجرّد ناقل للأحداث، بل صانع وعي، ومهندس سرديات، ومفجّر أسئلة.
هو الذي يواجه الطغيان بالتفسير العميق، لا بالخبر العابر.
هو الذي لا يغرق الناس في الأحداث، بل ينتزعهم منها نحو فهم السنن.
إنه يدرك أن الكلمة ليست فقط للتعبير، بل للتغيير.
فما المطلوب من الإعلامي الواعي اليوم؟
- التحرر من لغة النظام: لا تعتمد على مصطلحات العدو، ولا تستورد تفسيرات المهيمن، بل اصنع قاموسك الخاص، وانقل الواقع كما تراه لا كما يُراد لك أن تراه.
-
-
-
-
لا تكن محايدًا في معركة الوعي
المحايد في المعركة ليس منصفًا، بل جزء من المعسكر الخاطئ دون أن يدري.
فيا صاحب الكلمة، ويا من تملك منبرًا: لا تنتظر أن تُستَضاف على قناة، ولا أن يُشار إليك بالبنان… فمعركتك في اللافت، لا في اللامع، في الفكرة، لا في الفلاش.
قد لا تُدرَج يومًا ضمن قوائم الصحفيين المؤثرين، لكنك تكتب الآن السطور الأولى في كتاب النهضة القادم… وما أروعه من شرف.
احسنت ياليت قومى يعلمون
ReplyDelete