نهضة بلا إذن (22): وضوح المنهج… لا نفاق بعد اليوم

 

سلسلة نهضة بلا إذن

إنّنا نسير على درب طويل محفوف بالاختلافات، ولسنا من السذّج الذين يظنون أنّ طريق النهضة مفروش بالورود أو أنّ الناس سيتجمعون حول كلمة واحدة ما إن ننادي بها. بل نعلم يقينًا أن اختلاف التصورات وارد، بل هو حتمي حين تبدأ أفكار النهضة بالتحرك، ويستيقظ الوعي من رقدته الطويلة.

ولأننا نؤمن أن البناء لا يكون على المجاملات، ولا على الأقوال المعسولة التي ترضي الجميع، بل على الصدق والوضوح، فإننا نرى أن الوقت قد حان لنقولها بوضوح: هذا هو المنهج الذي نؤمن به ونراه أصلح لبناء نهضتنا. لن نجامل لنكسب الجميع، ولن ننافق لنجمع المتناقضات. ولكننا، في الوقت ذاته، لا نغلق أبوابنا في وجه من يختلف معنا، ولا نقطع الحبال مع من يسير في الاتجاه ذاته ولكن بخطى مختلفة.


نحن نعتقد أنّ تكوين الحضارة كظاهرة اجتماعية لا يمكن أن يتم إلا في ظل نفس الشروط التي وُلدت فيها حضارتنا الأولى. فالحضارة الإسلامية لم تُبنَ على أكتاف عباقرة مفكرين فحسب، بل انطلقت من عقيدة موحدة، ومن لسان قرآني أيقظ الغافلين، وربط القلوب بخالقها، وربّى جيلاً يرى في تغيير النفس المفتاح لتغيير الواقع.

وقد اخترنا لأنفسنا شعارًا واضحًا لا نرى النهضة تنبع إلا من تحته:

"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".


إنها ليست مجرد آية… بل قانون ربّاني، وشعار إصلاحي، ومنهج عملي، وطريق طويل لا يبدأ بقرارات عليا ولا بانقلابات سريعة، بل بثورة داخلية في عقل كل فرد، وضمير كل شاب، وقلب كل امرأة، وروح كل شيخ.

نحن لا ندعو إلى تقليد الغرب، ولا إلى العودة الجامدة إلى الماضي، ولا إلى إعادة إنتاج النماذج الفاشلة بثوب جديد. نحن نؤمن أن النهضة الإسلامية لن تقوم على أكتاف أنظمة فاسدة، ولا على تحالفات سياسية هشة، بل ستقوم على تحول داخلي في الإنسان المسلم، يحمله على الوعي، والحركة، والمسؤولية.


ولأننا نؤمن بهذا الطريق، فإنّنا لا نستصغر أي محاولة إصلاحية أخرى، ولا نحمل الحقد لمن خالفنا الرؤية. بل نقول لكل صاحب فكرة: ما دمنا نتفق على هدفٍ جامعٍ، فلنترك تفاصيل الخلاف جانبًا ونعمل سويًا على الحد الأدنى الذي نؤمن به جميعًا: أنّ الأمة لا يمكن أن تستمر في سُباتها، وأن الوقت قد حان لنُغير ما بأنفسنا.

أما من لا يرى في مشروعنا هذا جدوى، أو لا يجد نفسه قادرًا على مسيرة مشتركة معنا، فنقول له: قلوبنا وأيدينا ستظل مفتوحة، لا نغلقها في وجه من يعود. ولكننا لن نجمّد مشاريعنا بانتظار من لا يريد السير معنا.


نحن لا نطلب من الناس أن يذوبوا فينا، ولا أن يتخلوا عن رؤاهم الخاصة. ولكننا ندعوهم إلى أن نجتمع على كلمة سواء: أن نبدأ التغيير من أنفسنا، وأن نعيد النظر في معاييرنا، وقيمنا، وعلاقتنا بديننا، وتاريخنا، وأمتنا.

إنه منهج ليس سهلًا، ولكنه واضح وصادق.

ولذلك نقولها الآن :لا نفاق بعد اليوم.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام