نهضة بلا إذن (25): حين تتحوّل "الحرية" إلى صنم

 

سلسلة نهضة بلا إذن

في معابد هذا العصر، لا يُعبد صنم من حجر، بل تُعبد مفاهيم. وقد كان أخطر هذه المفاهيم وأشدها سحرًا، هو مفهوم "الحرية".
فمنذ أن سُحبت القداسة من السماء، وأُسقطت على الأرض، بدأت الحرية تُعبد… لا كمجرد وسيلة للكرامة، بل كغاية في ذاتها، مقدّسة، غير قابلة للنقد أو المراجعة.

لكنما هي الحرية أصلًا؟


الحرية في أصل معناها تعني نفي القهر، وتمكين الإنسان من التصرف ضمن حدود إنسانيته، دون تسلط أو استعباد.
ولكنها في سياقها الإسلامي أعمق من ذلك، إذ ترتبط بالتحرر من عبودية غير الله، والارتفاع عن شهوات النفس، والانضباط في منظومة قِيَمية تُحقق التوازن بين الفرد والمجتمع.


كيف تحوّلت الحرية إلى صنم؟

كان ذلك حين أُفرغت من معناها القِيمي، وأُلبست ثياب "الإطلاق" غير المشروط.
أصبح الحديث عن الحرية يُفصل عن أي معيار أخلاقي أو ديني أو حضاري. بل تحوّلت الحرية إلى ذريعة تُستخدم لتدمير أي بناء أخلاقي لا يتماشى مع أهواء القوى المتحكمة.

فحين يُروّج في الإعلام بأن "الحرية" تعني أن تفعل ما تشاء، وأن تُعرّي الجسد باسم التقدم، وأن تسبّ المقدسات باسم التعبير، وأن تستهزئ بقيم الأمة تحت راية النقد… فأنت لا أمام حرية، بل أمام صنم جديد.


كيف ولماذا صُنِع هذا الصنم؟

لقد صُنعت أصنام هذا العصر في مصانع الاستعمار، وتُسوّق الآن بأيدي أبنائنا.
فالحرية التي أرادها المستعمِر ليست تحرير الإنسان، بل تحرير الغرائز، وتفكيك المجتمعات من الداخل.
وما أكثر الدول التي تحررت من الاستعمار العسكري لتقع في استعمار المفاهيم… تُرفع فيها رايات الحرية في حين أن الألسنة مُكمّمة، والعقول مُستعبدة.


كيف نحطّم هذا الصنم؟

أول خطوة: إعادة تعريف المفهوم.
علينا أن نعيد الحرية إلى أصلها الرباني: تحرر من عبودية البشر، لا تمرد على شريعة السماء.


ثانيًا: نشر الوعي القيمي، عبر التربية والمناهج والمساجد والإعلام البديل، لإظهار أن الحرية ليست انفلاتًا بل مسؤولية.


ثالثًا: ضرب الأمثلة الحية: نحتاج إلى قادة ومصلحين يُجسدون هذا المفهوم المتوازن في حياتهم، حتى يرى الناس صورة الحرية الإسلامية الحقيقية، لا تلك المشوهة على الشاشات.


رابعًا: التصدي لمروّجي الصنم بالرد العلمي، والبديل العملي، والصبر في الميدان. فالحرية التي لا تُبنى على هُوية وقيم هي عبودية من نوع جديد، عبودية مغلّفة بالذهب، لكنها تقيّد الروح والعقل.


فلتكن حريتنا مشروطة بالحق، ولتكن معركتنا ضد الجهل الذي يعبد المفاهيم بلا عقل… فإننا أمة لم تُخلق لتسجد لصنم، لا من حجر ولا من فكر!

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام