نهضة بلا إذن (26): حين تُعبد الديمقراطية

 

سلسلة نهضة بلا إذن

في معابد الفكر الحديث، لم تسلم حتى "الديمقراطية" من التحنيط والعبادة.
لقد تحوّلت من وسيلة إلى غاية، ومن نظام بشري نسبي إلى حقّ مطلق، لا يُسأل عن فعله، وكأنّه وحيٌ من السماء لا يأتيه الباطل!


ما هي الديمقراطية أصلًا؟

الديمقراطية في أصلها نظام سياسي نشأ في اليونان القديمة، وتقوم على مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات السياسية.
وقد تطورت لاحقًا في السياق الغربي لتكون آلية تداول سلطة، قائمة على الانتخابات وفصل السلطات وحرية التعبير.

وحتى هنا، لا إشكال. المشكلة تبدأ حين نُسقط هذا النظام على كل مجتمع بشري، كأنّه الحلّ الوحيد، والطريق الأوحد، والنهاية الكبرى لتاريخ الحكم!


كيف تحوّلت الديمقراطية إلى صنم؟

تحوّلت إلى صنم يوم صارت تقاس بها شرعية الدول، وتُخضع الشعوب لاختبارها، فإن اجتازته صاروا "متحضّرين"، وإن فشلوا وُصموا بالتخلّف والاستبداد، حتى لو كانت القيم المجتمعية، والدين، والتقاليد، تقف على نقيض مع هذا النظام.

تحوّلت إلى صنم حين بات العالم الغربي يُجيّش جيوشه ويموّل الانقلابات في بلادنا باسم "حماية الديمقراطية"، ثم يدوس عليها حين تأتي الصناديق بنتائج لا تُرضيه.

لقد رأينا كيف أن الديمقراطية يمكن أن تكون سلاحًا موجهًا ضد الأمة، حين يُسمح بها فقط إن جاءت بعملاء الغرب، أما إن جاءت بالإسلاميين أو الأصوات المخلصة، فالويل لها ولمن اختارها!


كيف ولماذا صُنِع هذا الصنم؟

بعد الحرب العالمية الثانية، احتكر الغرب الحديث تعريف "التحضر"، وربط بينه وبين الليبرالية والديمقراطية.
وأراد للعالم أن يسير على خُطاه، لا لأنّها أنظمة مثالية، بل لأنها تخدم مصالحه، وتُبقيه في موقع السيطرة الأخلاقية والرمزية على الشعوب الأخرى.

الديمقراطية، في نظرهم، ليست فقط نظام حكم، بل هي جزء من منظومة قِيَمية كاملة، يجب أن تنتزع المجتمعات المسلمة من عقيدتها وتاريخها، وتلبسها ثياب الغرب، ولو بالقوة.


كيف نحطّم هذا الصنم؟

أولًا: بتحرير وعينا السياسي من التبعية.

نُدرك أنّ الديمقراطية ليست مقدّسة، وأنّها قد تكون صالحة في سياق معين، فاسدة في آخر، وأنّ العدالة والشورى والكرامة ليست حكرًا عليها.


ثانيًا: بإحياء مفهوم الشورى الإسلامي 

وتطوير آلياته، كبديل واقعي راقٍ، يعكس قيمنا ويحقق التوازن بين سلطة الأمة ومقاصد الشريعة.


ثالثًا: بفضح تناقضات النموذج الغربي 

الذي يتحدث عن الديمقراطية ويمارس القهر، ويتغنى بالحرية وهو يدعم الطغاة.


رابعًا: بزرع الوعي بين الشباب 

إنّ المقياس ليس "هل نحكم بالديمقراطية؟" بل "هل نحكم بالحق؟ هل يُحمى الضعيف؟ هل تُصان الحريات المشروعة؟ هل يُراقَب الحاكم ويُحاسَب؟"


كفانا سجودًا للأصنام الفكرية… إننا لا نطلب نظامًا مستوردًا، بل نريد عدالة تُرضي الله والناس، وشورى تُعيد للأمة صوتها، وكرامة تُبنى لا على الصندوق فقط، بل على الحق والنهج والضمير.

Comments

Popular posts from this blog

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (1): صدمة القادم من الفضاء

الإسلام والبيئة (1): رسالة من المستقبل

حوار مع فضائي عن فصل الدين عن الدولة (2): الزنزانة الزرقاء وبداية الرحلة عبر تاريخ الإسلام